محاكم التفتيش ظهرت في أوروبا أوائل القرن الثالث عشر، وكانت مهمتها محاربة السحر والبدع فضلًا عن تتبع المعتنقين الجدد للعقيدة الكاثوليكية من المسلمين واليهود، للتأكد من صدق إيمانهم. كل من تحوم حوله الشكوك، كان يُعاقب بالحبس أو النفي، وربما يصل الأمر إلى تقطيع الأوصال أو الحرق حيًّا! العالم المتحضر يعتبر هذه المحاكم سُبة في جبين الإنسانية، ويسعى إلى إزالة كل آثارها الكارثية، لكن البعض في مصر يحاول الأن بعثها من جديد بحجّة الدفاع عن الدين والوطن، متبعا بذلك نفس منطق متطرفي القرون الوسطي، الذين كانوا يعتبرون أنفسهم مندوبين عن الله للتفتيش داخل ضمائر وعقول البشر! كتبت عن قضية أبو تريكة باعتبارها جريمة جنائية، وأيّدت المضي في إجراءاتها حتى تظهر الحقيقة -أتمني من كل قلبي أن تكون براءة النجم المحبوب- لكنني أوضحت في الوقت نفسه رفضي التام لمحاسبته على معتقداته الدينية أو توجهاته السياسية التي هي من صميم حرية الإنسان الشخصية المنصوص عليها في كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية المحترمة. أحد المحامين قدّم هذا الأسبوع بلاغًا رسميًا للنائب العام يطالب فيه بالتحقيق مع 15 شخصيه من الوسط الرياضي -أغلبهم من النادي الأهلي- بحجّة انتمائهم أو تعاطفهم مع جماعة الإخوان، مع احتمالية قيامهم بتمويل عملياتها الإرهابية، ونادى الشاكي في النهاية بالتحفظ على أموالهم لحين التأكد من صحة الإتهامات! الأسماء التي وردت في البلاغ هي: مختار مختار، محمد عامر، هادي خشبة، ربيع ياسين، الدكتور إيهاب علي، عطية حجازي مدرب الناشئين (شقيق صفوت حجازي)، طارق سليمان مدرب الحراس، سمير صبري لاعب إنبي السابق، مجدي طلبة، محمد رمضان، عماد النحاس، الطبيب خالد محمود وأحمد عبد الظاهر، بالإضافة إلى أحمد فتحي وشريف عبد الفضيل باعتبارهم متعاطفين! جميع الأسماء التي ذكرت معروفة بالالتزام الديني، ومعظمهم أعطى صوته لمحمد مرسي في انتخابات الرئاسة قبل الماضية، لاقتناعهم وقتها أنه أفضل خيار سياسي، لكن كل ذلك لا يؤكد انضمامهم إلى الجماعة المحظورة، أو المشاركة في أنشطتها باستثناء اللاعب سمير صبري الذي كان متواجدًا بصورة دائمة داخل اعتصام النهضة، معلنًا توجهاته بكل وضوح، ورغم ذلك لا يجوز محاسبته علي معتقداته، طالما لم يثبت عليه القيام بفعل عدائي ضار. ما هو الدافع الحقيقي لتوجيه تلك الاتهامات المرسلة التي تسبب انقسامًا خطيرًا في الرأي العام وتهدد بمزيد من الفوضى والانشقاق بين أفراد الشعب الواحد؟ الإجابة يمتلكها المحامي سمير صبري صاحب الدعوى الذي سأتوجه إليه بعدد من الأسئلة: لماذا لم تتقدم سابقًا بهذا البلاغ قبل أن يعلن عن قضية أبو تريكة التي جذبت كل الانتباة؟ هل تعتقد فعلًا أن إثارة هذا الموضوع الآن يخدم صالح الدين والوطن؟ هل ضميرك المهني والأخلاقي مستريح بعد أن اتهمت عدد من الشرفاء مستندًا فقط على تصريحات تليفزيونية لأحد اللاعبين المعتزلين؟ نحن في انتظار الرد.