حوار: إيمان البصيلي انحاز الأمين العام للحزب المصرى الديمقراطى، أحمد فوزى، في الحلقة الأولى من حواره مع «التحرير»، إلى فرضية أن الرئيس يعبر عن نظام 52 الكاره للأحزب غير المؤمن بدورها فى المجتمع، ويواصل فوزي فى الحلقة الثانية والأخيرة من الحوار التحذير من خطورة عدم حل القضايا المعلقة والمتعلقة بغياب الحريات، وعدم إتاحة المجال للعمل الديمقراطى الحقيقى، على استقرار البلد. ■ كلامك على مدار الحلقة الأولى من الحوار يشير بطريقة أو بأخرى إلى أن «30 يونيو» لم تحقق هدفها؟ - من يتصور أن ثورة 30 يونيو، وخروج الناس فيها كان لإسقاط نظام الإخوان المسلمين والإتيان بنظام حكم آخر مثل مبارك والسادات وعبد الناصر، فهو خاطئ.. الناس خرجت للبحث عن نظام ديمقراطى، بعدما ملت من مصادرة الحياة السياسية، وملت من فكرة وجود شخص واحد يحقق البرنامج الاقتصادى للبلد.. السادات يقول «انفتاح» فيكون الانفتاح، وعبد الناصر يقول رأسمالية دولة، فيكون له ما شاء، ويأتى مبارك ويقول توشكى فتُنشأ توشكى، وبعدها يأتى غيره ويؤسس مشروع النهضة، وهكذا. هذا غير صحيح والبلاد لا تبنى هكذا، لكنها تقام على مبادرات جماعية بين الناس وعلى تنافس الأحزاب على مشروعات. ولا يجوز أن أكون فى مناخ لا أستطيع فيه أن أقول إن قناة السويس بها أخطاء، وإلا سيحكم علىّ بالإعدام أو يتم سحلى فى الشارع، أو لو انتقدت الحكومة فينكل بى. ■ تكيل الاتهامات للحكومة لكن لا تقول ماذا تريد منها على وجه التحديد؟ - ما أريد أن أعرفه ما برنامج الحكومة؟ يقولون «عايزين البلد كويسة»، لكن هل هناك حكومة فى العالم تريد بلدها «وحشه». المشكلة أن أى شخص يخالف هذا المناخ يتهم بأنه شخص غير وطنى وفلول وعميل وطابور خامس وإخوان مسلمين. وهناك وزراء بالحكومة يرددون دائمًا «ما تسيبوا الراجل يشتغل بَقَى، البرلمان بيعطل الناس». وهناك وزراء كوزير الاستثمار ووزير العدالة الانتقالية وغيرهما يسعون الآن لسرعة إنهاء القوانين كى لا تناقش فى البرلمان. ومن يتصور أن البرلمان يعطل مصالح الناس وأنه يريد العمل على راحته لإرضاء الرئيس فهذا لا يجوز أن يكون وزيرًا. ورئيس الوزراء الذى يفتخر بشدة بأنه ليست له علاقة بالسياسة فى أى بلد فى العالم لا يمكن أن يظل رئيس وزراء ليوم واحد، لأن رئيس الوزراء فى الأصل منصب سياسى، ونحن لا نريد رئيس وزراء يشرف على المشروعات أو أن يسير فى الشوارع يطمئن على استيقاظ المواطنين مبكرًا، فهذه ليست مهمة رئيس الوزراء. ■ أنت لا ترى إذن أن المهندس إبراهيم محلب لا يصلح لمنصبه؟ - أنا لا أخوض فى شخص الرجل، فهو ربما يكون رجلا محترما، لكنه بالفعل لا يصلح أن يكون رئيس وزراء فى المرحلة الحالية. وفى أثناء وجود حكومة الدكتور حازم الببلاوى خرج إعلاميون يتحدثون عن أنهم لا يريدون وزراء من الأحزاب وكأن الأحزاب «عيب»، وهذا مناخ لا أعرف متى نتخلص منه، ولكنى شخصيا «زهقت»، وهذه هى المرة الأولى التى ينتابنى فيها هذا الشعور وكل المحاولات التى أقوم بها مؤخرًا هدفها السعى، قدر ما أستطيع، لأن تضغط القوى الديمقراطية على الرئيس للإفراج عن الشباب الموجودين فى السجون، كما أسعى من داخل حزبى لعمل مشروع اندماج بينه وبين أحزاب «الدستور والعدل ومصر الحرية». وأعتقد أنه إذا لم تتم هذه الأمور قبل نهاية العام الحالى فوقتها سأعتزل العمل الحزبى، لأن المناخ العام أصبح محبطا جدا، وكل شخص يعمل فى العمل العام لا بد أن يشعر أن الناس ستستفيد مما يقوم به، والسياسى الذى يشعر أن الناس غير مهتمة بما يقوله، وأن الناس الذين يدافع عن مصالحهم يوجهون إليه السباب، وأنه غير قادر على إجراء حوار سياسى وتقديم برامج ورؤى بديلة، وعندما يطالب بإجراء حوار أو مصالحة يرد عليه بأن هذا «قلة أدب» والبلد التى بها الحوار والمصالحة «قلة أدب»، هذا الشخص لا يجوز له العمل فى السياسة. ■ هل يعنى كلامك أنه لو أن رئيسًا محسوبًا على القوى المدنية كحمدين صباحى مثلًا قد وصل إلى سدة الحكم لكان الوضع أفضل؟ - الموضوع أكبر من هذا، ورأيى الشخصى: إن أصرارنا على أن رئيس الجمهورية يفعل كل شىء هو بداية الأزمة، وإن الرئيس هو من يولى الوزراء ويقيلهم. ولا يجوز أن يخرج الناس الذين هللوا للدستور ووافقوا عليه هم أنفسهم من يعيبون فيه الآن ويطالبون بتغييره، ورأيى أن البلد فى حاجة إلى تغيير هذا المناخ وفكرة الرئيس الملهم، وأعتقد أنه إذا كانت هناك شراكة فى الحكم كان وضع البلد أحسن. ساعتها سيكون لرئيس الجمهورية صلاحيات محددة فى الدستور ولديه رئيس وزراء له علاقة بالسياسة ووزارة بها أحزاب تكنوقراط، ولديه برلمان يراقب ويشرع وإذا اكتملت هذه المنظومة فلا يهم اسم رئيس الجمهورية، سواء السيسى أو حمدين أو خالد أو أى شخص آخر، فوقتها لن تكون لدىّ مشكلة، وأظن أنه إذا كان خالد على فى الحكومة وتعاملت الأجهزة التنفيذية معه بهذه الصورة والإعلاميون بهذا المنطق، وهو بالتأكيد لم يكن سيحبس شباب الثورة أو يجعل رجال أعمال مبارك منحازين إليه بهذه الطريقة، ولكنه فى النهاية لم يكن ليؤسس دولة ديمقراطية ولا مدنية.. والموضوع ليس شخص رئيس الجمهورية، والرئيس السيسى خلفيته عسكرية، ولذلك نجده مهتما بالأمن القومى، ويتصور أن هذا معناه أن نهتم بعلاقاتنا الدولية أكثر دون أن نغير شروط الحياة الداخلية، وأنا لن أكون قويا خارجيًّا إلا عندما أكون قويا داخليا. وهو غير مهتم بالديمقراطية أو السياسة، لأنه يرى أن توفير أكل عيش الناس وفتح المناخ للاستثمار أفضل. وفى رأيى أن الاهتمام بالديمقراطية هو بداية القضاء على الفقر ووقتها سيتم القضاء على الإرهاب والتطرف من خلال فتح المجال للناس للعمل بحرية، وأعتقد أننا لم نكن بحاجة إلى مشروع كالعاصمة الجديدة الآن، والدكتور عصام حجى المستشار العلمى السابق للرئيس قال لهم إنه كان من الأفضل بجزء بسيط من ميزانية المشروع أن يتم عمل مشروع علمى لتعليم النشء وتنمية البحث العلمى، ولكن لم يأخذ أحد بكلامه، ولذلك يجب أن يكون هناك برلمان ليؤكد هذه المطالب، ومستشارو الرئيس كعصام حجى لا يكونون جميعًا من الأمنيين. لا يجوز أن يتهم من ينتقد مشروع «الكفته» بأنه يسب المؤسسة العسكرية، أو أن لا تخرج المؤسسة حتى الآن للاعتذار عن هذا المشروع، وهذا مناخ محبط، والمكسب الوحيد الذى خرجنا به من «25 يناير» يقتل الآن، إذ لم نتحول إلى مجتمع ديمقراطى ولم نحقق العدالة الانتقالية والشباب عليهم أحكام ب25 سنة فى الوقت الذى كانت فيه أقسى عقوبة فى عهد مبارك ثلاثة أشهر، وبعدها يتم الإفراج عنهم باستثناء الجماعات الإسلامية التى كانت تحتجز لفترة طويلة، ولكن الآن هم يقتلون شعور الناس بأن هذه دولتهم، وأنه من حقهم التعبير بحرية فى السياسة، وأن أكل عيشهم وأمنهم مرتبطان بالسياسة، وأنهم هزموا مشروع الإسلام السياسى المتمثل فى الإخوان المسلمين وهذان الأمران نحن نخسرهما حاليا. ■ ما توقعاتك لحظوظ القوى المدنية فى البرلمان المقبل؟ - لا يوجد مصطلح اسمه قوى مدنية، هناك قوى ديمقراطية، وهناك قوى استبداد، ومثلًا هناك أشخاص تدعى أنها قوى مدنية، وهم أسوأ من قوى الإسلام السياسى وهم فلول للنظام السابق. والقوى الديمقراطية التى كانت تبدأ من حزب الوفد، الذى أتمنى أن يصحح مساره السياسى، وحتى حزب العيش والحرية. هذه هى القوى الديمقراطية بالنسبة إلىّ والتى لا تبرر قتل الناس ولا حبسهم والتى لا تقول «افرم يا ريس». هذه هى القوى الديمقراطية ورأيى أنه فى الانتخابات المقبلة إذا استمر النظام الانتخابى الحالى بقوانينه كما هى، والمناخ السياسى الحالى لم يتغير، لن تؤدى الانتخابات إلى أى شىء، وستأتى ببرلمان أسوأ من 2010 ولن تمثل فيه القوى الديمقراطية والمجتمعية، وهذا يمثل خطورة كبيرة، لأنه سيزيد من طاقة الاحتجاج فى الشارع. وإذا لم يشعر المواطنون بوجودهم داخل البرلمان فسيلجؤون إلى العمل السياسى خارج البرلمان والدعوة للتظاهر، ويتم احتجازهم على خلفية قانون التظاهر ووقتها نقضيها «سجون بقى». ■ أين جبهة الإنقاذ الآن؟ - جبهة الإنقاذ أدت مهمة وانتهت، وهى بالأساس قامت لغرض معين هو أن الدولة المصرية كانت فى خطر، وأن الأخير كان يهدد ثوابت «25 يناير» متمثلًا فى جماعة الإخوان المسلمين، ومن هنا جاءت الجبهة لمواجهة هذا الخطر وبعد سقوط الإخوان انتهى دور الجبهة ولا توجد جبهات أو ائتلافات تستمر على مدار الوقت، وما أراه أن القوى الديمقراطية المؤمنة بثورة 25 يناير وتريد تصحيح مسار «30 يونيو» تحتاج إلى أن تتوحد فى جبهة واحدة ليست ضد الإخوان المسلمين فقط، ولكن ضد عودة نظام مبارك أيضًا، ولا تركز فقط على العمل على الانتخابات، لكن لو تحدثنا عن الانتخابات فأنا عن نفسى كان صوتى داخل حزبى هو مقاطعة القوائم الانتخابية، على أن نترك الحرية لمن يريد من أعضاء الحزب خوض الانتخابات على المقاعد الفردية، لأننا ليس غرضنا من الانتخابات الحصول على مقاعد فقط، ولكن نريد التواصل مع الجماهير وتقوية القاعدة الشعبية للحزب، وأن ينزل شباب الحزب لتقديم أنفسهم للناس، ويتم تأهيلهم لانتخابات المحليات، ولكنى لا أرى الظروف السياسية مهيأة ولا المناخ السياسى مهيأ لخوض الانتخابات، ورأيى الشخصى أنه إذا أصرت الدولة على النظام الانتخابى الحالى وعدم الإفراج عن الشباب والإبقاء على قانون التظاهر بصورته الحالية والاستمرار فى المناخ السياسى الحالى، فأنا لا أرى أى مبرر للمشاركة فى الانتخابات. ■ هل ما زلت من المطالبين بتأسيس حلف للقوى الديمقراطية رغم أن خبرة العام الماضى أثبتت فشلها فى هذا الشأن؟ - هذا ليس صحيحًا، لأن القوى المدنية لم تفعل هذا، لأنها كانت تراهن على أن الدولة فى خطر، وهذا حقيقى، وغلبت المصلحة الوطنية على أن تتحرك لتصحح الأوضاع والمسار السياسى، وهذا تم فهمه خطأ من السلطة الحالية وبعض المواطنين. ■ ولكن ماذا عن الصراعات الحالية بين الأحزاب؟ - لا أرى صراعات حقيقية، لكن فى رأيى أن القوى الديمقراطية لها أرض مشتركة تجمعها، وهى القوى التى ضد الإخوان المسلمين وضد ممارسة العنف وضد عودة نظام مبارك مرة أخرى، ولا تريد هدم الدولة المصرية، وهذه الثوابت الثلاثة أعتقد أنها لدى كل القوى المدنية، وهى ستمكنهم من الوقوف على أرضية مشتركة، ولكن حاليا لا أستطيع أن أحدد روشتة عمل ذلك، ولكن هؤلاء القيادات إذا جلسوا معا سيتم حل كل الخلافات والاتفاق على أرضية مشتركة. ولكن مع ذلك من حق الأحزاب أن تتنافس فى الانتخابات، وأنا على سبيل المثال لا يمكن أن أشترك مع حزب الحركة الوطنية فى تحالف انتخابى، ولكن مع أنه يشترك فى العمل السياسى، فإن يرى أن ثورة 25 مؤامرة هو حر فى رأيه، ولكن الأمر الذى يجمعنى مع حزب الحركة الوطنية هو أننا لا بد أن نكون حريصين على وجود عمل سياسى فى مصر. وكذلك أنا أختلف مع حزب النور، وأرى أنه يميز بين المواطنين، لكنى لست مع حل حزب النور، لأن هذا قرار المحكمة وليس قرارى الشخصى. وفى النهاية أنا وحزب الحركة الوطنية وحزب النور والمصريين الأحرار وكل الأحزاب الأخرى متفقون على ضرورة وجود عمل سياسى، لكن تحت راية هذا العمل السياسى، نحن جميعًا سنعمل، كلٌّ على طريقته، وأنا أرى أنه يجب أن يكون هناك تكتلات حزبية من الأحزاب القريبة فى الفكر والمنهج، ويكون بين كل تلك التكتلات حوار مستمر مبنى على الاحترام، لأنه لا يجوز أن يخرج رئيس حزب ويسب باقى الأحزاب ويتهمها بالعمالة والخيانة، وإذا كان ذلك فلماذا يعمل بالعمل السياسى؟! ولا يصح أن توجه رئاسة الجمهورية الشكر إلى الدكتور محمد أبو الغار على ملاحظاته على المسار السياسى التى وردت بمقاله، ويخرج رؤساء أحزاب يطالبون الرجل بالاعتذار ويعملون بلطجية لنظام لم يطلب أن يكون له بلطجية، وهذا ليس مناخا سياسيا. وهذا ما نستطيع فعله بيننا وبين الأحزاب الأخرى، ولكن فى النهاية ستكون انحيازاتى الاجتماعية مختلفة عن الانحيازات الاجتماعية لحزب المصريين الأحرار، فأنا حزب يسار وسط، وهو حزب ليبرالى، وكل حزب له طريقته فى القضاء على الفقر، إذ هو يرى أن القضاء عليه سيكون بفتح الباب لاستثمارات وأن العدالة الاجتماعية هى أن المواطنين يتقاضون رواتبهم بنهاية الشهر، وأنا أرى أن العدالة الاجتماعية فى تمكين الطبقات الشعبية، وفى هذا أيضًا أختلف مع رؤية حزب التحالف الشعبى، وفى رأيى أن أزمة الناس الحقيقية هى فى رؤيتهم لدعوة رئيس الجمهورية لتوحّد الأحزاب -رئيس الجمهورية رجل عسكرى مهتم بالأمن القومى ويريد استقرار البلد- وعندما يطلب أن تتوحد الأحزاب يجب أن أقول له لا يا سيادة الرئيس، وهذا من حقى، لأن حضرتك متصور أن هذه الأحزاب عملها أنها تصفق أو تدفع البلد للأمام، وأنا رؤيتى فى الاقتصاد مختلفة عن رؤية حزب المصريين الأحرار وأطرح برنامجا مختلفا، ورؤيتى فى السياسة تختلف عن رؤية زملائى فى العيش والحرية. والمدهش فى الأمر أن نجد إعلاميين كبارًا يخرجون ليؤكدوا كلام الرئيس ويتساءلوا: لماذا لا تتوحد الأحزاب؟ وهم رؤساء تحرير صحف، إذن لماذا لا تكونون جميعًا صحيفة واحدة أو كل المذيعين يتجمعون فى برنامج تليفزيونى واحد؟! وهذه أيضًا هى عقلية نظام 52 التى يجب أن نتخلص منها، وإلا فسوف يعود الإخوان المسلمون مرة أخرى أو نظام مبارك، والموضوع ليس بالإرادة أو بالتمنى والكلام الجميل.