دائما ما أقرأ هذا التصريح، الذى يردده مسلمون وأقباط، إذا حكم الإخوان سوف ألملم أشيائى وأعد حقيبتى للهجرة خارج مصر، وبعضهم يقول سوف أقدم أغنيات دينية، وأقرأ قرآنا، وأطلق لحيتى أو أرتدى نقابا.. كثير من المثقفين والفنانين يكررون تلك المقولة، وكأن مصر على المحارة فى انتظار من يطليها باللون الذى يريده، واللى يتجوز أمى أقول له يا عمى، وكأننا نقيم فى وطن «ترانزيت» نغادره فى لحظة! من واقع خبرتى -وهى ليست قليلة- أن أغلب مقولات الفنانين والمثقفين فى بلادنا، اكتشفت أنها تنتشر عن طريق العدوى، الكل يردد ما سبق ترديده، مؤكدا أن هذه هى قناعته، رغم أنه كان ينظر فى ورقة اللى جنبه يغش منه الإجابة. الإخوان كان لديهم اسم حركى طوال عهد المخلوع، وهو الجماعة المحظورة، صحيح أنهم طوال كل العهود، حتى الملكية، كانوا محاصرين، لكن المحظورة ظلت الصفة الرسمية التى تصاحبهم فى زمن المخلوع، حتى فى صفحة الوفيات لم يكن مسموحا أن تكتب أن فلان الفلانى الراحل كان عضوا بجماعة الإخوان، لكن تذكر الصحف إجباريا أنه كان محظورا حتى بعد انتقاله للرفيق الأعلى.. الغريب أن رفع الحظر جاء من خلال مسلسل «الجماعة» الذى كتبه وحيد حامد، وكان المقصود بالمسلسل أن يفضح الجماعة، وتمكن وحيد من إقناع الجهات الرقابية فى البلد أنه لا يمكن أن يطلق تعبير محظورة على جماعة يسعى لفضحها، لأن هذا يعنى أنه من البداية منحاز ضدهم، وهكذا وافقوا على أن تصبح الجماعة جماعة، رغم أن تعبير جماعة فى الذاكرة الجماعية الشعبية تعنى الزوجة. بعد الثورة وقبل خلع المخلوع، تم الاعتراف السياسى لأول مرة بالمحظورة، ووجهت لهم الدولة الدعوة للاجتماع باعتبارهم فصيلا وطنيا، وكعادتهم دائما ما يحسبونها طبقا لمصلحتهم عندما اعتذرت أغلب القوى الوطنية عن المشاركة فى الحوار، واشترطت خلع المخلوع أولا، واصلت الجماعة ولم تتحفظ لأنها وجدت أنها فرصة لا يمكن إضاعتها.. كانت القوى الوطنية تُجمع على رفض تمثيلية التوريث بينما الإخوان يتركون الباب مواربا فى انتظار قانون المقايضة، يحسبونها: ما الذى سوف نحصل عليه من السلطة لو وافقنا على التوريث؟ الإحساس الذى يسيطر على قطاع من الشارع أن الجماعة قادمة وسوف تسيطر على الحياة الفكرية والسياسية، رغم أننا لا نتحدث سوى عن 20% فقط من جموع المصريين، لا أتصور أن هذه النسبة من الممكن أن تحدد ملامح مصر القادمة.. الحظر الذى كان مفروضا فى الماضى زاد أيضا من مساحة الذعر.. كانوا أقرب إلى قوة أسطورية لا تراها، لكننا نتخيلها والناس عادة تخشى المجهول.. تبدو قوة الإخوان الحقيقية من خلال مقارنتها بالضعف الذى باتت عليه القوى السياسية الأخرى فى مصر. الإخوان يضخون الآن رؤوس الأموال فى الفن والثقافة والإعلام، أمر لا ينبغى أن يثير أحدا.. ليس من مصلحة الوطن أن نصادر نوعا من الفن يعتقد أصحابه أنهم يقدمونه وفقا للشريعة الإسلامية، سوف نكتشف أن قسطا من النجوم توجهوا إلى هذه الشركات قبل أن تطرق بابهم سيطرقون بابها.. تقديم فن يراه الإخوان شرعيا لا يعنى أن الناس سوف تقبل عليه بالضرورة، بل إن التجربة العملية أثبتت أن الأعمال الفنية التى صُنعت بتلك المواصفات لم تحقق نجاحا جماهيريا.. مسلسلات المحجبات فى التليفزيون لم تنجح والدليل أن شركات الإنتاج لم تواصل إنتاج تلك النوعيات.. فيلم «كامل الأوصاف» الذى عرض قبل أربع سنوات، ولعبت بطولته حلا شيحة، وطبقت فيه معايير الحجاب فى كل مشاهدها لم تتكرر التجربة مع حلا أو غيرها.. مسرحية «الشفرة» قدمت أيضا بنفس المعايير الدينية، ظلت تجربة يتيمة فى تاريخ المسرح المصرى. هل معنى ذلك أن الناس تبحث عن الفن الإباحى؟ الحقيقة هى أن الناس تريد فنا، وكما أن العرى والإسفاف ليسا فنا، فإن تقديم كل البطلات وهن يرتدين الحجاب والنقاب طوال أحداث العمل الدرامى، ليس فنا لأنه يخاصم الواقع.. مصر لن يستطيع أحد أن يصبغها بلون واحد لأنها ببساطة ليست على المحارة.