كتب: محمد توفيق أحمد عز: أسوأ شئ هو شعورى بأنى كنت السبب الأول فى غضب المصريين جمال مبارك كان يضع أجندة الرئيس فى السنوات العشر الأخيرة.. ويشرف على تنفيذها أنا أول شخص تم القبض عليه بعد الثورة.. وكنت أجلس 17 ساعة يوميا فى السجن الانفرادي لم أكن الرجل الأقوى.. والحزب لم يكن فى حاجة لفلوسى أنا قارئ للتاريخ وعارف أن فيه ناس لازم تدفع التمن وأنا منهم انتخابات 2010 كان فيها تجاوزات لكن لم أكن مسئولا عن إداراتها حين طلب أحمد عز لقاء الأستاذ هيكل لم يكن ينتظر منه نصيحة أو مشورة! ولم يكن هدف اللقاء هو الاستماع لوجه نظر الأستاذ لكن "عز" أراد أن يستفيد من هيكل وأن يآتى الإعلان عن إعداده لمذكراته من هيكل ذاته، وأن تآتى فى صورة نصيحة من الأستاذ الذى مكث طيلة عمره بين الصحافة والسياسة. لذا حين أعلن الأستاذ هيكل فى حواره مع الإعلامية لميس الحديدى عن زيارة أحمد عز له فى مكتبه، وعن نصيحته له أن يقوم بكتابة مذكراته ويبتعد عن العمل السياسى، لم تكن هذه النصيحة ذات جدوى فقبل أن يذهب عز للقاء الأستاذ فى مكتبه المطل على النيل كان قد قرر قبل أن يكتب مذكراته بل واختار أيضا من يكتبها، بل والمدهش أيضا أنه كان قد قرر تسجيل هذه المذكرات بالصوت والصورة فى صورة حوار يرد من خلاله على كل الاتهامات التى لحقت به قبل وأثناء 25 وبعد ثورة 25 يناير. لذلك حرص على الإتيان ببعض معارضيه ليقولوا ما يحلو لهم من هجوم عليه، ليرد على كل الأسئلة ويبرأ ساحته أمام الملايين، ويكشف سر ثرائه السريع وحقيقة علاقته بجمال مبارك، ويفسر سر القبض عليه بمجرد قيام الثورة وأنه كان أول شخص يتم إلقاء القبض عليه. المدهش أن هذا الحوار تكلف إعداده عشرة ملايين جنيه وأشرف عليه واحد من مشاهير صناعة الإعلام فى مصر، وقد دفع "عز" هذا المبلغ كاملا بما فيه أجور الضيوف! لكن "أمين تنظيم الحزب الوطنى المنحل" مازال ينتظر اللحظة المناسبة لخروج حوار الساعات العشر للنور فهو يريد قناة واسعة الانتشار وليست مصرية لكن يشاهدها المصريين، ومن بعدها مذكراته التى ستحمل عنوانا من كلمة واحدة مثل مذكرات مشاهير الساسة فى الغرب؛ لأنه يريد إبراء ساحته وطى صفحة الماضى، والعودة للساحة السياسية ليثبت أنه قادر على التأثير والنجاح فى الانتخابات بعد قيام ثورتين. لكن اللافت طوال الفترة الماضية أن عددا من مشاهير الإعلام والصحافة يمهدون لعودته بل إن بعضهم ذهب إليه حاملا باقة من الورود طمعا فى ماله الذى لا ينفد! عز لا يريد كرسى البرلمان فحسب، وإنما يريد أولا أن يثبت أنه شريف وأن الاتهامات الموجهة إليه كانت باطلة، وأنه دفع الثمن رغم أنه لم يرتكب إثما. رجل الحديد يريد أن يعود ليحتل بؤرة المشهد السياسي لذا يسعى لامتلاك صحيفة وزوجته الثالثة شاهيناز النجار تقوم منذ فترة بتسجيل حلقات برنامجها الجديد ليعودا معا إلى الساحة والسياسة، لذا حرص "عز" على إخراج الحوار وكأنه فيلم وثائقي عن رجل حوله جدل بعضه سلبى لكن بعضه الآخر إيجابي، وليس عن رجل أفسد حياة المصريين، وضيق عليهم في أرزاقهم، وكان سببا رئيسيا ومركزيا فى قيام ثورة يناير بمحاولاته لتسيير البلد لخدمته هو وصديقه جمال نجل الرئيس المخلوع. ذكاء "عز" جعله يستغل الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل لتحقيق مآربه والإعلان عن عودته، فقد ذهب للقاء الأستاذ هيكل بعد أن انتهى من رسم خطة عودته للساحة السياسية، وبعد أن أنتهى من تسجيل المذكرات فى صورة حوار تليفزيونى مطول مع مذيعة لامعة، واختار أن تكون البداية من مكتب الأستاذ –مثلما نصحه أحد المقربين منه- وبعد أن شرع فى كتابة مذكراته التى يشرف على كتابتها واحد من أعلام الإعلام الشهير بمحاور الرئيس!. بدأ أمين تنظيم الحزب الوطنى المنحل حواره الممتد لعشر ساعات بالتأكيد على أنه أدرك ما حدث، وعرف أخطائه بدقة، وحاول أن ينفى تهمة التربح عن نفسه قائلا: "أصبحت مسئولا عن المنطقة الصناعية الأكبر في مصر قبل أن أدخل عالم السياسة بسنوات". لكنه حين تحدث عن الرئيس الأسبق مبارك تحفظ كثيرا، لكنه أيضا فجر مفاجأة بقوله: "لم أجتمع رجل لرجل مع الرئيس مبارك أبدا فقد كانت لقاءتى بالرئيس دائما بصحبة عدد من الأشخاص، ودائما ما كان يحضر جمال مبارك لقاءتى مع الرئيس، وكانت أغلب الاجتماعات تخص الجانب التنظيمى داخل الحزب الوطنى، ولم تدر بيينا نقاشات فردية على الإطلاق، وكان من النادر جدا أن أتحدث مع الرئيس عن الحكومة إلا فى ضوء الحديث عن الحزب ورجاله". وحين انتقل للحديث عن نجل الرئيس أفرد "عز" فى حديثه عن علاقته وصداقته بجمال مبارك، وكشف عن حقيقة دوره –وفق رؤيته- فى الخمس سنوات الأخيرة من حكم مبارك قائلا: "الدور الاساسي الذي كان يقوم به جمال مبارك، هو دور معاون الرئيس، وبالتالي أجندة جمال طوال هذه السنوات، كانت اجندة الرئيس، والتوريث لم يكن هدفا للرئيس ولم يخطر ببال نجله، ولو كان هدفا لتغيرت الأفكار والتوجهات، فجمال كان لا يريد سوى أن يساعد والده فى عمله، وإذا كان التوجه هو التوريث، نبقى على النظام الذي كان موجود". أمين تنظيم الوطنى يريد أن يعود فى ثوب المفكر السياسي والاقتصادى الذى لو تمكن من تطبيق برنامجه لكان لمصر شأن آخر، ويريد أن يثبت أن الهجوم عليه مجرد أحقاد من منافسين لا يستطيعون مجاراته على الساحة السياسية والاقتصادية فلجأوا لتشويهه. فلم يكن يهدف فى حديثه المطول الدفاع عن جمال مبارك لكن فى الأساس كان يدافع عن نفسه، ولكن المصالح والمصائر المشتركة اقتضت أن يدافع عن نجل الرئيس، فالشريكان لا يمكن أن يختلفا فى العلن، بعد أن صارت المصائر واحدة. وحين جاء الحديث حول انتخابات 2010 التى كانت واحدة من أسباب قيام ثورة 25 يناير اعترف "عز" بوجود تجاوزات قائلا: "طبعا.. كان في تجاوزات لكنى لم أكن مسئولا عن إدارة الانتخابات في مصر، ولا يوجد أى حزب يدير الانتخابات حتى لو كان الحزب الحاكم، ولا يوجد مسئول حزبى مهما كانت مكانته يتحكم فى إدارة الانتخابات، ولم تكن مهمتى قاصرة على تمويل الحزب، فالحزب الوطنى لم يكن فى حاجة لتمويل أشخاص، فموارد الحزب أكبر من أى شخص، وليس معنى كونى أمين تنظيم الحزب أن أكون ممولا له، والرجل الأقوى داخله، فهذا كلام منافى للحقيقة تماما". حاول أحمد عز طوال الحوار أن يرتدى ثوب الحكمة، ويبدو فى صورة الرجل الشجاع الذى يعترف بأخطائه، ويتطهر منها، لكن فى الوقت ذاته يراها أخطاء صغيرة وسط إنجازات ضخمة، ولعل ذلك يتضح من كلامه حين يقول: "السياسي واللي فاهم يلقي اللوم على نفسه، قبل ما يلقي اللوم على غيره.. وأنا قارئ للتاريخ، وعارف أن فيه ناس لازم تدفع التمن وأنا منهم.. ويكفى أن أكون متسببا في هذا الكم من الغضب للمصريين، ودي لوحدها لا تقدر بثمن، لكنى فى الوقت ذاته كنت أشعر أن البلد تسير فى طريق لو ظلت عليه لصارت الأمور نحو التقدم والرقى وليس مجرد التنمية". كان لابد وأن يتحدث "أمين تنظيم الحزب الوطنى المُنحل" عن تجربته داخل السجن، خاصة أنه كان أول مسئول يتم إلقاء القبض عليه بعد ثورة يناير، لكن اللافت أنه تقمص شخصية الرئيس السادات حين كان يتحدث عن تجربته فى السجن الانفرادى، وقال: "كنت أجلس 17 ساعة يوميا داخل الزنزانة الانفرادى، ولم يُسمح لى أن ألتقى أحد، ولا أتحدث مع أحد طوال الفترة الأولى من السجن، مما جعلنى أعيد التفكير فى كل ما جرى مرات ومرات، وأدرك أخطاء الماضى، ووجوب الاعتراف بها". لكن من المدهش فى هذا الحوار المطول هو ظهور عدد كبير من الصحفيين والسياسيين والباحثين بمداخلات على هامش الحوار مما جعله بمثابة فيلما وثائقيا عن "رجل الحديد أحمد عز" ومن بين هؤلاء الأستاذ مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين السابق، الدكتور أسامة الغزالى حرب أحد الذين استقالوا من الحزب الوطنى قبل الثورة، والمنسق السابق لحركة كفاية جورج إسحاق، علاوة على عدد من الصحفيين المؤيدين والمعارضين لأحمد عز قبل وبعد الثورة! شئ وحيد يريده أحمد عز من هذا الحوار -أو بمعنى أدق من هذه المذكرات- هو أن يعود مرة أخرى للساحة السياسية بأى صورة وبأى ثمن ليثبت لذاته أنه مازال حيا سياسيا، ويستطيع أن يمسك بزمام الأمور مرة أخرى ويُكون كتلة "فلولية" داخل البرلمان يمكنها التحكم فى القرارات التى ستصدر داخل المجلس، فطموحات أحمد عز لم تنته حين قامت ثورة يناير، فهو لم يفعل ما يريده بعد، ربما كان الظاهر والبديهى والممكن- أنه كان يريد أن يصبح الرجل الثانى فى نظام ما بعد مبارك، لكن يبدو من حديثه أنه كان يريد أن يكون الرجل الأول! نعم أحمد عز كان يريد أن يصبح رئيسا لمصر فى توقيت ما لم يتحدد بعد، وصداقته بجمال مبارك، وقربه من الرئيس الأسبق كان مجرد سُلم يصعد عليه ليصل لهدفه الأكبر، وهو كرسى الحكم، ويبدو أن النظام الحاكم الآن أدرك هذا مبكرا، ومن المؤكد أنه شاهد الحوار كاملا، وقرأ بين سطور المذكرات! يمكن أن يخرج عز أو أحد من حاشيته وينفى كل ذلك لكنه لا يستطيع نفى فيديوهات مسجلة بصوته وصورته!