لا تنطوي صفحات مجهولو السينما المصرية، لما تضمه من الكثيرين الذين قدموا للفن، ولم يحصلوا منه حتى على الشهرة، فهم من قام الفن على أكتافهم ونسي أن يمنحهم قليلًا من الشهرة، ورغم قلة أدوار هؤلاء النجوم إلا أن بمجرد مشاهدة صورهم تحضر لذهنك شخصياتهم المختلفة التي تميزوا بها، الفنانة عائشة الكيلاني، التي اتسمت بخفة الظل، وروحها المرحة التي تقبلت النقد حول مستوى جمالها. من صفحات مجهولي السينما المصرية «عائشة الكيلاني ورأفت غنيم» عائشة الكيلاني.. وريثة عرش زينات صدقي في السبعينات حاول المخرجين البحث عن معادل موضوعي، للفنانة القديرة زينات صدقي، ولم يجدوا أو ربما لم يكونوا بحاجة إلى البحث المكثف، فمواضيع تلك الفترة لم تكن تحتمل وجود الفتاة غير الجميلة على الشاشة الكبيرة، ومع بداية الثمانينات بدأت الموضوعات المطروحة دراميًا في احتياج لهذا المعادل الموضوعي، حاول البعض الاستهانة بالفنانة فاتن عز الدين، والتي قدمت أشهر أدورها في مسرحية "الدخول بالملابس الرسمية" حيث أدت دور أنيسة، إلا أنهم فوجئوا ب"غول" تمثيل من الطراز الأول يقتحم الساحة ليعلن عن نفسه بقوة، وهي عائشة الكيلاني. ولدت عائشة الكيلاني، في مثل هذا اليوم 28 فبراير عام 1954، بدأت حياتها الفنية أثناء دراستها في المعهد العالي للفنون المسرحية، وقدمت عدد من الأعمال في فترة دراستها حتى تخرجها عام 1987. شهرة الغول لمع نجم عائشة الكيلاني، حينما قدمت مسرحية "البرنسيسة" عام 1984، من إخراج السيد راضي، وتأليف بهيج إسماعيل، إلا أن ملامحها حصرتها في أدوار "العانس" أو "السيدة الدميمة" قوية الشخصية أو "الفقيرة" و"الخادمة"، مع بدايتها جذبت أنظار الجميع بخفة دمها وموهبتها الكبير وتلقائيتها الشديدة التي سمحت لها بمجارة نجوم العرض ليلى علوي، وفاروق الفيشاوي، ومحمود الجندي، والمظلوم محمد متولي. وفي عام 1986 أختارها الراحل عاطف الطيب، لتقديم دور فريدة في فيلمه "الحب فوق هضبة الهرم" ثم مسلسل "عصفور من نار" عام 1987، لتدخل بعدها عائشة الكيلاني عالمًا من أهم عوالم السينما المصرية، وهو عالم الأستاذ رأفت الميهي، حيث أختارها لتشارك في فيلم "سمك لبن تمر هندي" عام 1988، وهو العام نفسه الذي قدمت فيه مع المخرج محمد فاضل الراحل أسامة أنور عكاشة "الراية البيضا"، وبعدها تعود لعالم رأفت الميهي في عام 1989 بفيلمه الشهير "سيداتي آنساتي". واستمرت رحلة عائشة الكيلاني، في الفن بين دراما، وسينما، ومسرح، لتقدم علامات مميزة في تاريخها، في عدد من الأعمال منها مسلسل "مطلوب عروسة"، و"الشيطانة التي أحبتني"، و"شوادر"، و"كيد العوالم"، و"الإرهاب و الكباب"، و"أي أي" ، و"المنسي"، و"الفرسان"، و"أرابيسك"، و"جبر الخواطر"، و"كونشرتو في درب سعادة"، ومسلسل "على باب مصر" وغيرها من الأعمال. البساطة كنزُ لا يفنى وفي رحلة شملت 94 دورًا تنوعت بين سينما، ودراما، ومسرح، تميزت عائشة الكيلاني بتلقائية شديدة، وذهن حاضر، وذكاء شديد، رغم انحصارها في أدوار صغيره على موهبة بحجمها، ولكن رغم صغر أدوارها فكانت عائشة تستغلها بذكاء شديد، جعلها تتألق في فيلم الشيطانة التي أحبتني على الرغم من وجود محمد صبحي، والمنتصر بالله، ويوسف داوود. ودور آخر أجادت فيه عائشة الكيلاني كل الإجادة، وهو دورها في فيلم "سيداتي آنساتي" مع معالي زايد، وعبلة كامل، وصفاء السبع، لتقدم شكلًا جديدًا للعانس الدميمة المتهفة على الزواج، والتي تحاول أحيانًا الانسحاق تحت "ضل راجل"، إلا أنها في نفس الوقت تخشي أن يكون من أبوها وأعمامها، ويفعل معها مثلما فعلوا مع أمها وخلاتها، صراع صغير من ضمن صراعات أخرى صغيرة خلقت صراعًا كبيرًا، وسؤال فلسفي حاول الميهي طرحه والإجابة عليه، وكان للفنانة أدوار صغيرة، وعلامات كبيرة صنعت واحدة من أهم كوميدينات السينما المصرية في الثمانينات، والتسعينات، لتصبح عائشة الكيلاني الوريثة الشرعية، وربما كانت الوحيدة لعرش صنعته، وتربعت عليه العملاقة زينات صدقي. رأفت فهيم.. الصوت المغمور في طفولتي تخيلت أن صوته هو صوت "دوسيهات الحكومة"، والروتين الذي أسمع عنه ولم أقابله وقتها، تخيلته فم يتلع الوقت، وكنت أصر على سماع تيتر برنامج "همسة عتاب"، من أجل محاولة معرفة اسم صاحب الصوت، ولكنني لم أعرفه من الإذاعة بل من حلقات المسلسل الشهير "رأفت الهجان"، فعرفت أن الصوت الذي ارتبط بكلمة موظف في مخيلتي هو صوت الفنان "رأفت فهيم". ولد في 1 نوفمبر 1927، وبدء حياته الفنية متأخرًا حيث عمل في بادئ الأمر موظفًا في جامعة القاهرة، وانضم إلى فرقة ساعة لقلبك المسرحية الشهيرة، وبسبب صوته المميز حقق نجاحًا كبيرًا في الإذاعة فكانت الإذاعة هي سماء نجوميته، ومن إلإذاعة انتقل إلى التلفزيون ليقدم أدوارا صغيرة، في مسلسلات مثل "الأبواب المغلقة" و"الرجل ذو الخمسة" و"جوه وجراح عميقة"، وغيرها. لم يعرف أدوار البطولة مطلقًا، وربما أيضًا لم يعرف الأدوار الثانية إلا في الإذاعة، ولكنه كان يجذب الانتباه بمجرد ظهوره على الشاشة، ربما صغر حجم أدواره لم يمكنه من إخراج ما في جعبته من موهبه، وربما صاحبته جملته الشهيرة " فوت علينا بكرة يا سيد"، فأصبح يوميًا يفوت علينا في الإذاعة أو التلفزيون لنسمع صوته المميز، قدم في حياته حوالي 100 عمل تنوعت بين الإذاعة، والدراما، والمسرح، وقليل منها جاء في السينما، من بينها "مسلسل الأيام"، و"الفتوحات الإسلامية"، و"محمد رسول الله"، و"زينب والعرش"، و"رأفت الهجان"، و"صح النوم"، و"لا إله إلا الله"، و"بوجي وطمطم"، و"أحزان نوح"، و"ألف ليله وليلة"، و"عمو فؤاد"، و"ساكن قصادي"، و"القضاء في الإسلام". وفي مثل هذا اليوم 28 فبراير عام 2011 توفي الفنان رأفت فهيم، بعدما توقف عن العمل الفني لمدة 13 عامًا، ليرحل في صمت بعيدًا عن الأضواء مكتفيًا بأن نتذكره بجملته الشهيرة في همسة عتاب " فوت علينا بكرة يا سيد".