كان يوم الثلاثاء الماضى يومًا استثنائيا فى فاعليات «المقهى الثقافى» بمعرض الكتاب الدولى، ففى تمام الساعة الثالثة عصرًا، اكتظ المقهى بأطفال وشباب من الجنسين فى انتظار مغنّى الراب «زاب ثروث»، رافعين فى أياديهم كتابه «حبيبتى»، من أجل الحصول على توقيعه، عندما دخل «زاب» مصحوبًا بكتلة بشرية هائلة، كان الصراخ والتصفيق يهزان الأرجاء، داعبهم زاب ببعض الأغانى، فأخذوا يرددونها، ويرقصون ويترنمون بها إلى درجة الافتنان، ويتقافزون كألسنة اللهب، اختلطت الأصوات والروائح والأعمار والألوان، ولافت للنظر أن معظم الحضور من الفتيات المحجبات، وهناك بعض المنتقبات لم يمنعهن رداؤهن من الرقص والغناء، فإحدى المنتقبات مدَّت يدها إلى حقيبتها وانتزعت منها منديلًا، أخذت تلوح به وترقص على إيقاع «الراب»، وأخرى أخذت تحرِّك رداءها لتصلحه على كتفها بعد أن تمايل من الرقص، وهناك تحت المنصة مباشرة التى يقف عليها «زاب»، كان الشباب يصفِّق ويتمايل مع الإيقاع. زاب ثروت الشاب، ظاهرة أصبحت منبع دهشة للكثيرين بعدما غنّى كاتب لبكرة جواب مع فريق أسفلت قبل ثورة يناير بيومين، وتوالت أغنياته وكتاباته، واشتهر كمغنى راب، وعادة مغنو الراب يتحدَّثون عن أنفسهم ويستخدمون موسيقاهم للتعبير عن استيائهم وسخطهم على صعوبات الحياة، وهذا ما فعله زاب ، فأغانيه جاءت قريبة من هموم وأحلام الشباب، فأغنية إحنا جيل وانتوا جيل ترفض كل مَن يحاول أن يسلب حق الشباب فى الحياة، أو يسرق حلمهم: آسف مش هساعد، أكون لحلمى باعد، أقتل كل شاهد، كان للثورة واعد، الخروج من المضمون فكرة مش مألوفة، والمألوف للعقول فكرة كانت موصوفة تحجم كل جامح، تربط كل حى، تمحى من قاموس حياتك إن بكرة جاى... . لذلك تمثّل أعماله تجسيدًا للمعانى الإنسانية التى تلامس عالم الشباب الثائر والغاضب، الذى من أجله انطلقت ثورة يناير ، تعبِّر عن الأحلام المشروعة والموؤودة، إنه يوقظ مساحات الفرح فى قلوب الشباب الذى تم تهميشه وإقصاؤه. هناك انتقادات لظاهرة زاب من المثقفين باعتباره يمثّل نغمة شاذة داخل الثقافة المصرية لا تعتمد قواعد الإبداع المتعارف عليها، والسؤال: هل نحن مشغولون بإقرار نقد بناء أم مشغولون بمهاجمة شخص وهدمه؟ المتابع لأعمال زاب لا يجد فيها أى ابتذال أو إسفاف، إن كتابته أشبه بالخواطر وكتابة الرسائل بطريقة بسيطة ومباشرة، بالطبع إنه نتاج يعوزه العمق، لكنه ليس فجًّا أو هابطًا، لكنها أعمال تمثِّل غضبة وتمردًا ورفضًا للذل والمهانة، وشهرة زاب لم تتأت من كتابته الأدبية، ولكن من كونه مغنى راب، وليس أديبًا تنطبق عليه المعايير. يبقى زاب حاضرًا فى خانة الجدل الثقافى، غائبًا عن أى ارتباط بسلطة أو مؤسسة أو حزب أو فصيل سياسى. أعتقد أن هناك هوة عميقة بين جيل الآباء، وجيل الشباب، ويبقى السؤال: لماذا لا يحاول جيل الآباء أن يفك شفرة الجيل الشاب ويستوعبه، لا تصموا آذانكم وتتركوا هذا الجيل وسط الفراغ والضياع، فالمؤسسة الرسمية أيضًا تصادر حقّهم فى التعبير والغناء والفعل، ماذا تبقى لهذا الجيل حينما يسرق حلمه ويحاصر ويتفتت أمله على صخرة الواقع المرير؟! إذا تجاهلنا ذلك فنحن كمن يتعالى على الأمر ويغلق دونه بابه.