كتبت الأسبوع الماضى عن مأساة شيماء الصباغ، شهيدة الورود فى ميدان طلعت حرب على يد قوات الشرطة. وبعد ساعات من تسليمى للمقال، وقعت جريمة قتل شهدائنا فى العريش وعدة مواقع أخرى فى شمال سيناء فى عملية إرهابية جديدة، لم تكن الأولى، ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة وفقًا لتصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى. توقعت ردود الأفعال بعد أن يتم نشر المقال من دون أن ترد به أى إشارة إلى شهدائنا من إخوتنا وأقاربنا من جنود وضباط القوات المسلحة: كيف تجرؤ وتتحدَّث عن أى قتلى سوى قتلى الجيش والشرطة فى الحرب الدائرة حاليًّا ضد الإرهاب؟ أنت خائن وعميل وتنفّذ أجندات أمريكية. أنصار هذا المعسكر الفاشى الغوغائى أسرعوا إلى الإنكار القاطع أن يكون هناك ولو احتمال بسيط أن تكون الشرطة قد قتلت شيماء، ويرون أنه حتى فى حالة صحة أن الشرطة هى التى قتلتها، فلا يجب ولا يصح إثارة احتجاجات واعتراضات الآن فى ضوء التضحيات العديدة التى يقدّمها رجال الشرطة فى الحرب الدائرة ضد الإرهاب. رأيت أن مقتل شيماء الصباغ فاجعة، وقلت إن كلنا شيماء الصباغ ، فالرسالة هى أن أى مواطن أو مواطنة يتمسّك بحقه الدستورى فى التعبير سلميًّا عن الرأى معرض لأن يلقى مصير هذه الأم الشابة. وبالطبع أرى أن كلنا شهداء سيناء ، فكل شباب مصر يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية، ومَن استشهدوا من جنود وضباط أتوا من كل قرية ومدينة. كما أنه لا شك أننا نواجه إرهابًا حقيقيًّا لا يشمل مصر فقط، لكن كل دول المنطقة. ولكن يبقى السؤال محل الخلاف هو: لماذا لا يمكن إدانة قتل شيماء على يد قوات الشرطة، لأنها اعتادت ذلك دون حساب، وفى نفس الوقت دعم جيشنا الوطنى فى حربه التى من المتوقع أن تدوم لفترة طويلة قادمة ضد الإرهاب؟ أنصار التيار الفاشى الغوغائى، وأغلبهم من المستفيدين من حقبة فساد مبارك الطويلة، يصرون على تجاهل حقيقة ثبتت صحتها سواء من تجاربنا فى مصر، أو تجارب دول أخرى عديدة: أن غياب دولة القانون والمحاسبة على تجاوزات أجهزة أمنية اعتادت القمع لعقود تزيد من خطر الإرهاب تفاقمًا، وتوفّر ظروفًا تسمح بتجنيد إرهابيين جدد بدافع الثأر والانتقام، خصوصًا إذا كانوا من الأبرياء. الغالبية الكاسحة من المصريين يحبون جيشهم الوطنى، ويقدرون بكل تأكيد دوره فى بناء الدولة المصرية الحديثة والتضحيات التى قدمها فى مواجهة العدو الإسرائيلى فى حروب عدة، ولاحقًا بانحيازه إلى رغبة غالبية المواطنين فى ثورة 25 يناير وموجتها الثانية فى 30 يونيو. ولكن هناك أيضًا الطموح لبناء دولة مدنية حديثة، تواصل فيه المؤسسة العسكرية أداء دورها الوطنى، ويتمتع فيها المواطنون بحقوقهم الأساسية وعلى رأسها الحق فى الحياة، والحق فى التعبير بحرية عن الرأى سلميًّا، وفقًا للدستور والقانون. غوغائية أنصار دولة مبارك لا يمكن أن تخفى الحقيقة القائمة الآن، أن كل مَن شاركوا فى ثورة 25 يناير إما يقتلون وإما يتلقون أحكامًا بالسجن تصل إلى المؤبد أو يتعرضون لحملة تشويه ممنهجة ومنظمة وسط فرص محدودة للدفاع عن أنفسهم لا تتجاوز الفضاء الإلكترونى وبعض مقالات فى الصحف. الأمر لا يتعلق بالموقف من قواتنا المسلحة التى تدعمها الغالبية الكاسحة من المصريين، بل بمؤسسات تقاوم التغيير وأصحاب مصالح استفادوا من فساد دولة مبارك. وهؤلاء لا يرون غضاضة فى قتل المواطنين، كما شيماء، أو حبسهم مدى الحياة، كما أحمد دومة ورفاقه. هؤلاء ينتعشون وتنمو ثرواتهم فقط فى دولة تقمع الحقوق والحريات.