وكأنه لا يكفى أن تفقد شابة فى مقتبل العمر وأم لطفل صغير حياتها فقط لأنها كانت تحمل ورودا ويافطة مكتوبا عليها كلمات فى محاولة بسيطة ورمزية للتعبير عن إيمانها بأن بلدنا قد شهدت ثورة سقط فيها مئات الشهداء، وأرادت إحياء ذكراهم، لا يكفى. أدارت آلة الدعاية الرخيصة الكريهة التى نعرفها جيدا ماكيناتها بسرعة لتغتال الشهيدة شيماء الصباغ مرتين، نفس الماكينة التى طرحت تساؤلات وأثارت جدلا واسعا منحطا حول أسباب ارتداء ست البنات فى واقعة مجلس الوزراء الشهيرة فى نهاية العام 2011 لعباءة كباسين ومش سوسته ، وتساءلت عن سر ارتدائها حمالة صدر لونها أزرق وليس أبيض أو أسود. مع الشهيدة شيماء الصباغ، شهيدة الورود، لم يكد تمضى دقائق على مقتلها فى ميدان طلعت حرب قبل أسبوع حتى أخرج السيد الموظف المختص فى وزارة الداخلية بكتابة البيانات منذ 60 عاما، النموذج الخاص ببيانات تبرير قتل المواطنين من ضحايا عنف الشرطة: قامت مجموعة من المواطنين المخالفين للقانون بمهاجمة قوات الشرطة وإطلاق الشماريخ والحجارة وقطع الطريق، مما اضطر القوات إلى التعامل معهم بالغاز فقط، وليس غير الغاز. ثم جاءت العناصر المندسة المعروفة من الفضاء الخارجى وأطلقت رصاصا خرطوشا متوافر لدى كل المواطنين ، مما أدى إلى مصرع الشهيدة شيماء الصباغ. لم يصدر بيان واحد فقط من الداخلية على مدى عقود فى حالة مقتل مواطن داخل السجون أو فى سراديب أمن الدولة -أمن وطنى- يقر بأنه مات نتيجة التعذيب، دائما السبب أزمة قلبية حادة، أو أنه سقط فجأة من على الكرسى فى أثناء التحقيق معه فمات بسبب أزمة ربو. شرطتنا رقيقة جميلة مهذبة كما شرطة سويسرا. لا توجد فيديوهات تؤكد بوضوح أن الشرطة هى من أول خرق قانون التظاهر الظالم وغير الدستورى نفسه لدى التعامل مع شيماء ورفاقها، ولم يلتزموا طبعا بضرورة التدرج فى استخدام القوة، مع الوضع فى الاعتبار أن المتظاهرين 20- 30 شخصا بلغت بهم درجة التهذيب أن أحد قادة الحزب الشرعى الذى ينتمون إليه توجه إلى قائد القوة فى طلعت حرب ليطلب منه الموافقة على إرسال 5 منهم فقط ليضعوا الزهور ترحما على شهداء ثورة 25 يناير فى ميدان التحرير. كما لا توجد فيديوهات تبين إطلاق الشرطة بكثافة الغاز والخرطوش. هل صعب أن يكتفى كاتب البيانات فى الداخلية بالقول إنه وقع اشتباك بين الشرطة ومجموعة المحتجين نجم عنه مقتل مواطنة بريئة، وأمر النائب العام بتحقيق فورى لتوضيح ملابسات الحادثة؟ طبعا صعب جدا. شرطتنا لا تخطئ، وكله فى سبيل الوطن. كان وزير داخلية مبارك الشهير، زكى بدر، معروفا بمقولة تتردد حتى الآن وبثقة الواثق: إحنا سبعين مليون (سنة 1990) إيه المشكلة لو موتنا مليون علشان الوطن يعيش ونحقق الاستقرار؟ أما الفريق المعاون للداخلية فى قنوات مبارك التليفزيونية فروّج لصورة قديمة لمتظاهر إخوانى من الإسكندرية يطلق الخرطوش، وليزعم أن رفاق الشهيدة شيماء هم من قتلوها. وعندما تم اكتشاف الخدعة بسرعة، خرجت كذبة فجة جديدة أن الرجل الذى كان يقف وراءها هو من قتلها، ليتضح أن القاتل المزعوم هو نائب رئيس حزب التحالف الاشتراكى الذى تنتمى إليه الشهيدة شيماء. وعندما تنفد الحجج، يستخدمون أسطوانة: لماذا تتحدثون عن شيماء ولا تتحدثون عن قتلى الشرطة والجيش من ضحايا الإرهاب؟ نريد فقط قليلا من العقل لحل مشكلاتنا ومواجهتها. لا نريد أن يموت أحد، لأنهم جميعا مصريون. قمنا بثورتنا فى 25 يناير نرفع شعار الكرامة الإنسانية، ولكن كهنة الكذب مصممون على انتهاك أرواحنا وعقولنا. رحمك الله شهديتنا شيماء الصباغ.