كثيرة هى كتب أدب الرحلات، طاف مؤلفوها البلاد وكتبوا يومياتهم بداية من ركوبهم الطائرة للسفر حتى عودتهم إلى الديار، يكتبون عن المزارات السياحية، وأهم المعالم الأثرية، ويأخذون الصور بجوار تمثال هنا أو هناك، لكن كتابنا هذه المرة يختلف. تجربة الكاتب عمرو بدوى فى كتابه مسافر الكنبة فى إيران الصادر عن دار مقام للنشر والتوزيع تختلف فى أنها ليست وصفًا لزيارة تقليدية ولا لمعالم أثرية، وإنما هى وصف للمجتمع الإيرانى من الداخل، من البيوت والحوارى والأزقة. والحكاية أن عمرو بدوى لم يسافر إلى إيران بطريقة تقليدية لتصبح مغامرته تقليدية، وإنما سافر إلى إيران مستخدمًا برنامج الاستضافة المجانية على أحد مواقع التواصل الاجتماعى التى تتيح للراغب فى السفر للاكتشاف أن يحلّ ضيفًا على واحد من أبناء البلد، وبهذا ينغمس الضيف فى عادات البلد المضيف ويراه من الداخل، لا من خلال الصور الأنيقة. ورغم هذه المغامرة المختلفة، فإن المؤلف لم يغفل أن يضم إلى كتابه مجموعة من الصور لأهم الشوارع والمزارات والمساجد التى زارها هناك، ولكنه مع ذلك لم يكتف كغيره بالصور ووصف الشوارع، وإنما أخذته موهبته الأدبية ليضرب فى أعماق التاريخ ليأتى بأصل كل بناء، وبداية كل قرار، ومنبع كل جماعة، ليصبح الكتاب دليلا حقيقيا للتعرف على إيران كشعب وكعادات وكتاريخ، ولإماطة اللثام عن كثير من المعلومات المغلوطة التى تصلنا عن إيران وشعبها نتيجة لخلافات سياسية أو دينية. سافر عمرو بدوى منفردًا ليستمتع بجو المغامرة وليعيش أيامه دون تخطيط أو خوف من العواقب، وصاغ مغامراته بتفاصيلها الدقيقة فى أسلوب أدبى شائق، فصار القارئ متوحدًا معه فى مغامرته يرى بعينيه ويسمع بأذنيه ويشمّ بأنفه ويلهث مع خطواته، وهو متكئ على الكنبة.