وكأن مبارك ما زال يحكم! وكأن ترزية قوانين مبارك ما زالوا يتمتعون بالنفوذ والسلطة. فلا يمكن أن يصدر قانون الدوائر الانتخابية بالشكل الذى يتحدثون عنه إلا فى نظام حسنى مبارك أو أسوأ منه. وحتى ترزية نظام مبارك اكتفوا بمثيله فى انتخابات مجلس الشورى فقط.. ولم يستطيعوا تطبيقه على الشعب. لقد قامت الثورة وسقط الشهداء من أجل التخلص من تلك القوانين البالية الفاسدة، ومن ترزية القوانين ومن مجلس الشورى نفسه الذى كان يأتى ثلثاه بالتزوير. وثلثه الأخير من خلال تعيين مبارك المحاسيب ومن يريد أن يمنحهم الحصانة ليفسدوا وينافقوا كما يريد. لقد قامت الثورة للتخلص من نظام مبارك الذى يمثل تحالف الاستبداد والفساد وتحكم مجموعة صغيرة، أو قل عصابة، فى السلطة تفعل كما تشاء وتمنح من تشاء وتنهب ما تشاء.. فلا أحد يحاسبهم.. فأصبح البلد عزبتهم الخاصة يتصرفون فيها بلا ضمير.. لقد حولوا الوطن إلى دكان خاص يتاجرون فيه فى كل شىء ولحسابهم الخاص.. وليذهب الناس إلى الجحيم. قامت الثورة ضد نظام يدعى أنه ديمقراطى، وهو المانح للحقوق والحرية من خلال صكوكه فقط فى ظل نظام قمعى وجهاز إعلامى يزيف الوعى. قامت الثورة ضد نظام يعتقد أنه هو الحكمة والحكمة هو.. لقد خرج الملايين فى ثورة ألهمت شعوب العالم من أجل الحرية والعدالة والكرامة.. خرج الملايين من أجل الديمقراطية. خرج الملايين من أجل انتخابات حرة ونزيهة. خرج الملايين من أجل استقلال القضاء. خرج الملايين من أجل إسقاط القوانين الاستثنائية والمعيبة. خرج الملايين من أجل وقف النهب المنظم لمقدرات البلاد. خرج الملايين ضد العصابة التى تحكم وتتحكم فى مقدرات الناس. خرج الملايين من أجل كشف «الحكمة الفاسدة» للنظام. خرج الملايين من أجل إسقاط مجلس الشعب الذى جاء بالتزوير. خرج الملايين من أجل رفض مجلس الشورى الذى اختاره مبارك وعصابته. خرج الملايين من أجل إسقاط الدستور «المهلهل» الذى لم يعد على قدر طموح الشعب فى حياة سياسية يستحقها من الديمقراطية والحرية. خرج الملايين من أجل إسقاط النظام. وسقط النظام فى الثورة العظيمة، ومنحت تلك الثورة الجيش إدارة شؤون البلاد. وأعلن الجيش تأييده للثورة ومطالبها. لكن يبدو أن الجيش يرى مطالب أخرى غير مطالب الثوار. فهو يأتى بترزية قوانين أسوأ من ترزية نظام مبارك ليبلونا بقوانين جديدة وتشريعات هى الأسوأ. ويستعين بفلول النظام السابق فى إدارة شؤون البلاد بمن فيهم «العينات» التى كان يتحالف معها النظام من المعارضة، أو التى كانت تسمى نفسها بالمعارضة.. وهى فى الحقيقة متواطئة وخادمة للنظام. أى نعم إنه تم هدم مؤسسات مهمة للنظام السابق مثل الحزب الوطنى أو المجالس المحلية.. ومع هذا لم يتم البناء على طريق الديمقراطية أو مصر الجديدة.. بل عاد وسمح لعناصر من الحزب المنحل بأن تشكل أحزابا جديدة وتعود مرة أخرى بشكل آخر. ومع هذا يأتى بقانون الدوائر الانتخابية الجديدة ليمكنهم ومن يتحالفون معه -كما فى السابق- للعودة مرة أخرى إلى النظام السابق.. وكأنه لم تكن هناك ثورة. إنهم الذين يديرون شؤون البلاد، أو قل يحكمون، لم يعد يريدون تبريد الثورة.. وإنما الآن هم فى مرحلة تجفيف الثورة. إنهم يخربونها.. عن قصد أو جهل.. وكلاهما غير مطلوب فى ثورة عظيمة كالتى حدثت فى مصر. يا أيها الذين تديرون شؤون البلاد.. حرام عليكم.