فوجئت أن وزارة الثقافة فى واحدة من افتكاسات الوزير، الدكتور جابر عصفور، تُقرر إلغاء كل العروض الفنية، حزنا على رحيل فاتن حمامة، قرأت الخبر مرتين حتى أتأكد أننى لم أخطئ. تعوَّدت الوزارة فى الأحداث التى تصيب الأمة، مثل استشهاد جنودنا فى حادثة إرهابية، أن توقف عروضها ثلاثة أيام، أتفهَّم ذلك كنوع من المشاركة الوجدانية، مثل تنكيس الأعلام على المؤسسات الرسمية، وإن كنتُ فى الحقيقة أفهمه ولا أقرّه، لأن الفن لا يعنى الانفصال عما يجرى فى الحياة، ولا هو نوع من الترفيه لا يجوز أن نمارسه ونحن فى حالة حداد، ولا يُعدّ أيضا رفاهية من الممكن الاستغناء عنها، ورغم ذلك فأنا من الممكن أن أجد من وجهة نظر الدولة المتحفظة بطبعها ما يبرر إلغاء الحفلات الفنية فى مثل هذه الأحداث، ولكن مع فنان مبدع بحجم فاتن حمامة كان الأجدى والأوفق أن نواصل العروض، لا أن تُظلم دور المسرح وتغلق أبواب الأوبرا، فاتن يسعدها بالتأكيد وما ناضلت من أجله هو أن يُصبح فى بلادنا فن محترم. يبدو كأن هناك موظفا يطبّق قاعدة الحداد كما هى واردة فى الكتالوج، فى العادة مكتوب ثلاثة أيام اختصرها فقط إلى يومين، رحيل فنانة بحجم فاتن حمامة يجعل على الفور البوصلة تتحرك إلى التفكير فى خطة عاجلة لتكريمها مثلا، ومع قرار إسناد رئاسة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى إلى الناقدة والباحثة الدؤوبة، ماجدة واصف، لماذا لا تُصدر ماجدة قرارا بأن تصبح جائزة أفضل ممثلة فى المهرجان تحمل اسم فاتن حمامة، باعتبارها الأكثر تأثيرا فى دنيا التمثيل فى الحياة الفنية المصرية والعربية؟ المهرجان بالفعل يطلق على عدد من جوائزه أسماء كبار المبدعين، مثل نجيب محفوظ ويوسف شاهين وشادى عبد السلام، وهذه القامات من الممكن أن نضيف إليها اسم سيدة الشاشة العربية، فهو لم يكن لقبا منحته شركة إنتاج، ولا مجموعة من النقاد، ولكن لأن فاتن جمعت بين الموهبة المتناهية فى الإبداع والاحترام الذى يملأ الدنيا، بمجرد أن تقول فاتن تجد أن الكلمة اللصيقة بها هى الاحترام . بالطبع كم كان من المهم أن نسارع بإطلاق اسم فاتن وهؤلاء العظماء على جوائز مهرجان القاهرة، وهم بيننا، لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله، كما يقول علماء الفقه. ويبقى الحديث عن فاتن ممتدا، كثيرٌ من المصريين البسطاء فى بيوتهم يضعون صورة لفاتن حمامة على الحائط، كأنها فرد من الأسرة، وليست مجرد نجمة شهيرة، البيت المصرى يعتز بأن مصر أنجبت هذه الفنانة، فلماذا لا يصبح لفاتن حمامة بيت دائم يزوره كل المصريين والعرب؟ إنها مقتنيات فاتن وهذا دور الدولة، لقد أوصت السيدة بعدم إقامة سرادق عزاء، اكتفت فقط بالوداع، كانت تُدرك أن الجنازة الشعبية تليق بها وليس مجرد كاميرات تصوير تترقّب العزاء، لتحيله إلى مادة تليفزيونية مثيرة وأوفت الأسرة بوصيتها. على الدولة كجهة رسمية أن تلعب دورها فى هذا الاتجاه لنتحرك إلى آفاق أبعد، ما الذى فعلناه مع أم كلثوم، تركنا الفيلا التى كانت تقطن فيها بعد رحيلها عام 75! وأخذنا نلوم الورثة الذين باعوها من أجل حفنة دولارات، فأصبحت فندقا كبيرا يحمل اسم أم كلثوم ، وكل غرفة لها اسم، هذه هجرتك وتلك اسأل روحك وثالثة الأطلال . بينما مثلا مصير سعاد حسنى كان أبشع، حيث إن الورثة كانوا يبيعون مقتنياتها، حتى آخر منديل، وظلوا على مدى عدة سنوات يطالبون النائب العام بإعادة تشريح جثمانها، كل ذلك من أجل أن يستثمروه إلى أضواء وبرامج فى التوك شو . أعلم أن الدكتور محمد عبد الوهاب، زوج السيدة فاتن، وابنتها نادية ذو الفقار وابنها طارق عمر الشريف، سوف يحرصون على الحفاظ على كل مقتنياتها، لكن على الدولة المصرية ومن الآن أن تبدأ فى إقامة متحف يضم كل ما له علاقة بفاتن، فيلم، مقال، فستان، جوائز، أما الحداد وإلغاء العروض الفنية على طريقة جابر عصفور فإنه لا يليق أبدا بسيدة الشاشة العربية.