قبل أربع وعشرين ساعة مرت الذكرى «37» لشاعر غنائى وكاتب صحفى كبير، كثيرا ما رددنا كلمات أغانيه، وقليلا ما نتذكر اسمه، إنه أحد رجال الصف الثانى فى تنظيم الضباط الأحرار، «الباكباشى» وقتها وتعنى «المقدم» فى القوات المسلحة عبد المنعم السباعى، إنه الشاعر الذى كتب «أروح لمين واقول يا مين ينصفنى منك»، شاكيا عبد الناصر إلى عبد الناصر، وكتب «أنا والعذاب وهواك عايشين لبعضينا/ آخرتها إيه وياك يا اللى إنت ناسينا»، متغزلًا فى سمراء النيل مديحة يسرى، وكتب فى نفس اللحظة لسمراء أخرى وهى الإذاعية القديرة سامية صادق «لايق عليك الخال/ يا اللى الهوى خالك/ مشغول عليك البال/ ولا حد على بالك»، الخال يُطلق على طابع الحسن على الخدين والذقن. كان السباعى مغرما بالسمر، فهو بالنسبة إليه يساوى حصريا الجمال، وهكذا ردد له محمد قنديل أغنية تعبر عن مشاعر «أوول سايز» تصلح لأى سمراء «جميل وأسمر/ بيتخمطر/ تقول سكر/ أقول أكتر/ من السكر/ ميتين مرة». ليست أغانيه فقط، بل أيضا أعماله الدرامية كانت تشى بطرف خفى إلى بعض هذه المواقف، فهو الذى كتب إسماعيل يس فى الجيش أول أفلام سُمعة عن القوات المسلحة، وأطلق على الشخصية المقابلة الشاويش عطية التى أداها رياض القصبجى، لماذا وقع اختياره على اسم عطية الذى يصلح أن يطلق على النساء والرجال؟ لم يكن الأمر عشوائيا، والسر أن زوجته السمراء أيضا اسمها عطية، وكان يخشى منها بسبب كثرة نزواته، مثلما كان يخشى سُمعة من الشاويش عطية. عندما قامت ثورة 23 يوليو أسندوا إليه منصبا قياديا رئيس أركان الإذاعة وهى وظيفة لا محل لها من الإعراب مدنيا، ولكن السلطة وقتها كانت تريد أن تصبغ الحياة كلها باللون الكاكى، خصوصًا الإذاعة التى أطلق منها أنور السادات البيان الأول للثورة. كثيرون ينسبون إليه أنه هو الذى أشار إلى ضرورة منع صوتى أم كلثوم وعبد الوهاب من الإذاعة المصرية، لأنهما غنيا فى عهد الملكية، ولا يجوز أن يواصلا الغناء فى عهد الثورة، وهو القرار الذى ألغاه مباشرة عبد الناصر، وقال متهكمًا إذن نلغى أيضا النيل والأهرام، لأنهما وجدا فى عهد الملك. الحقيقة أن هذه الواقعة ليست مسؤولية السباعى، ولكن ضابطا آخر هو الذى أصدر هذا القرار قبل أن يتولى السباعى منصبه، بل إن السبب الذى دفع محمد نجيب وعبد الناصر إلى الاستعانة به فى هذا الموقع، هو احتياج الثورة الوليدة إلى عسكرى لديه ميول أدبية، ولهذا وقع الاختيار عليه، لأنه كان يكتب الشعر ويعمل أيضا بالصحافة فى مجلة روزاليوسف . كان قريبا من عبد الناصر وكتب له بعد محاولة اغتياله فى المنشية تسلم يا غالى ، التى غناها عبد الوهاب، وكان مسؤولًا عن مكتب عبد الناصر يقرأ الرسائل التى يتلقاها ويتولى الإجابة عليها، ولكن يبدو أن هناك من أراد الوقيعة وتعرض لوشاية مغرضة، وأعفاه ناصر من الإشراف على المكتب فكتب له: ما هو انت فرحى وانت جرحى وكله منك ، والغريب أن أروح لمين كانت من أكثر أغانى أم كلثوم التى يفضل عبد الناصر الاستماع إليها. روت لى مديحة يسرى أن حكاية حب السباعى لها كان يعرفها عبد الوهاب وفى أثناء تلحينه لأغنية أنا والعذاب وهواك حل عيد ميلاده، ووجه الدعوة إلى مديحة والسباعى، وطلب منها أن تتجاهله كأنه غير موجود، وعندما يسعى ليصافحها ترد عليه بقدر من الجفاء، حتى يلهمه هذا الموقف باستكمال باقى مقاطع الأغنية، ونفذت مديحة الاتفاق حرفيا، فكتب السباعى عينى على عيونك/ والرمش فى جفونك/ قادر وظالمنى/ عينيك بتتكلم/ والرمش بيسلم/ وأنت مخاصمنى !! ويبقى العديد من الحكايات، ولكن أطرفها هى أغنية عبد المطلب بياع الهوى راح فين ، ولكنها مع الأسف غير صالحة للنشر!!