بالنسبة للطبقة السياسية العراقية التي تسلمت مقاليد الأمور بعد عام 2003 فإن العدو الثاني لها بعد صدام حسين هو الجيش العراقي مما جعله الضحية الأولى بعد التغيير. كان أول قرار اتخذه الحاكم المدني الأميركي بول بريمر عند وصوله العراق في مايو 2003 هو حل الجيش العراقي، ومع أن هذا القرار مهد للميليشيات المسلحة التي أسهمت في القتال ضد النظام السابق أن تكون لها استحقاقاتها مما حصل فيما بعد، فإن الفشل الذريع في بناء مؤسسة عسكرية عراقية على أسس مهنية فتح الباب واسعًا أمام شتى التدخلات الداخلية والخارجية. وبعد 12 عامًا من التغيير جاءت نكسة الموصل في شهر يونيو 2014، بعد أن سيطر تنظيم داعش على نحو 4 فرق عسكرية عراقية نظامية بالإضافة إلى الشرطة الاتحادية وبقيادة عدد من جنرالات الجيش العراقي، لتكون بمثابة صدمة أعادت إلى الأذهان الأسئلة القديمة بشأن المسؤول الأول عن حل الجيش العراقي الذي تأسس 6 يناير (كانون الثاني) 1921. واليوم يبحث الجيش العراقي، الذي بلغ ال94 من العمر، عن هوية في ظل تصادم الصراعات والولاءات رغم أنه ينتمي إلى واحدة من أعرق المؤسسات العسكرية في الوطن العراقي. برقيات التهاني التي انهالت بمناسبة ذكرى تأسيس هذا الجيش عبرت كلها عن الحاجة الماسة لإعادة الاعتبار لهذا الجيش الذي خاض عشرات المعارك والحروب في جبهات فلسطين والجولان ومصر بالإضافة إلى حربه الطويلة مع إيران وحربيه الأخيرتين مع الولاياتالمتحدة الأميركية. الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، عبر في برقية التهنئة عن الأمل في أن تتأكد الحاجة إلى أهمية مواصلة بناء الجيش والقوات المسلحة لتكون بمستوى التحديات الكبيرة التي تواجه الشعب والبلاد، وتتأكد الحاجة الأكبر إلى ترسيخ الصفة المهنية لهذه القوات وتحريرها تماما من أي انحياز وولاء سواء لفرد أو لحزب أو لجماعة معينة بل يكون ولاؤه لصالح الولاء للوطن وهذا يتطلب خلق جيش وقوات مسلحة كفؤا وقادرة على أداء المهمات والمسؤوليات التي تحفظ أمن البلد وحريته ووحدته واستقلاله . في السياق نفسه، شدد المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة عمار الحكيم على ضرورة التكاتف والتلاحم المعهود بين أبناء الوطن من كل مكوناته وألوانه وأطيافه في الوقوف خلف الجيش الباسل لدحر الإرهابيين وضرب أوكار الداعشيين وأعداء الحياة والسلام . ووصف المجلس الأعلى في بيان له الجيش العراقي بأنه لا يزال درع البلاد الحصينة، وصمام أمانها في الملمات والمنازلات، الذي قدم الأفذاذ الأوفياء من أجل كرامة العراق وسيادته، وهو ابن العراق الأبي، ولن تنال من عزيمته كبوة أو محنة . وتابع البيان: أن هذا الجيش المقدام قدر كالعنقاء التي تنفض رمادها، لتنهض أكثر عزما وقوة وشموخ . من جهته، أكد اللواء الركن عبد الكريم خلف، المتحدث الرسمي السابق باسم وزارة الداخلية العراقية، في تصريح ل الشرق الأوسط : إن مما يؤسف له أن الكثير من الكفاءات العسكرية الكبيرة لم تجد فرصتها في صفوف هذا الجيش والدليل أن ما حصل خصوصا في الموصل كان انتكاسة يتحمل مسؤوليتها الجنرالات الذين لم يكونوا بالمستوى المطلوب . وأضاف أن المؤسسة العسكرية العراقية واحدة من أعرق المؤسسات ليس في الوطن العربي بل في المنطقة كلها وأن كلية الأركان العراقية كانت هي الأصعب والأكفأ والأكثر مهنية وكفاءة في تخريج القيادات العسكرية . وأوضح اللواء الركن خلف أن المشكلة التي نواجهها اليوم هي اختفاء مصطلح الجيش العراقي ليحل محله مصطلحات فرعية، مثل القوات الأمنية والحشد الشعبي والميليشيات وقوات العشائر وجهاز مكافحة الإرهاب والبيشمركة، وغيرها من التسميات التي تركت آثارها السلبية على بناء المؤسسة العسكرية العراقية التي يفترض أن يمثلها الجيش العراقي الذي هو من يجب أن يمنح الآخرين هوياتهم لا أن يبحث اليوم بعد 94 عاما عن هوية .