تابعتُ على مدار عدة أيام فى جريدة «الوطن» تجربةً مبشّرةً، كنت أتمنى أن تتم وتكتمل، لتكون نموذجًا فى الاختلاف الهادئ المستنير بلا تجريح شخصى، كانت باسم «ناقر ونقير» بين الزميلين والصديقين العزيزين الأستاذ محمود الكردوسى، وهو من جيلى، تربى على حب عبد الناصر مثلى، ويراه مثلما أراه زعيمًا وطنيًّا فذًّا مهما كانت أخطاؤه، والأستاذ مجدى الجلاد المبدع، وصاحب التجارب الصحفية الناجحة ك«المصرى اليوم» و«الوطن»، وهو من جيل مختلف وأصغر من جيل الأستاذ الكردوسى. الاثنان معا يحملان مع كتيبة من الموهوبين عبء نجاح الوطن ، أى زملاء مهنة وعمل، وبالتأكيد أكلا عيشا وملحا كما نقول. كانت الفكرة أن يعرض الكردوسى رأيه فى موضوع ما اليوم مثلا، فيرد عليه الجلاد فى اليوم التالى برأى مخالف، وفى نفس المساحة. فكرة رائعة تُثرى العقل، وتُعطى مثالا للقارئ العزيز فى كيف نختلف ونحن أصدقاء ونعمل معًا. بدأ الحوار حيويا وثريا، كلٌّ له وجهة نظره التى تحترم ويدافع عنها بأسباب منطقية، ثم سرعان ما توتر الجو، وبدأ الحوار يأخذ منحنى غريبًا مع بعض التجاوز الشخصى ليس مهما مَن الذى بدأ ، ثم تطور الأمر إلى تجاوز أكبر ومعايرة بأصول وأشياء من هذا القبيل، وأتصور أن الأصدقاء من الجانبين تدخلوا لفض النزاع، وآثر الجميع توقف التجربة حتى لا تتفاقم المشكلات. ولأنى أحب الاثنين، وأحترمهما، وكنت سعيدا بالتجربة، فلى عليهما حق عتاب المحب. إذا كنتما بكل هذه الثقافة والتجربة الحياتية العريضة والناجحة لم تستطيعا الاختلاف فى هدوء فكيف نطلب من شبابنا أن يتعلم فضيلة الاختلاف دون عنف أو توتر يؤدى إلى مولوتوف وتكسير منشآت عامة واجتياح صالات الأندية واستاد القاهرة؟! نحن كإعلاميين وشخصيات عامة يرى فينا الناس، خصوصا الشباب قدوة ومثلا يُحتذى، ولذلك يجب أن نكون فى منتهى الحرص فى كل ما يخدش تلك الصورة أتكلم بصفة عامة ولا أقصد الزميلين العزيزين ، وما حال الإعلام إلا كحالنا جميعا: فوضى ومعارك ومحاولة للإثارة الفارغة بلا معنى، حتى ملّ الناس معظم البرامج الحوارية، وتفرغوا لبرامج الجن والعفاريت، التى تغيّب عقولهم فى وطن يحتاج بشدة إلى عقول واعية. يقول الفيلسوف الكبير زكى نجيب محمود إن الفرق بين المتحضر وغير المتحضر أن الأول يستطيع أن يفرق بين رأيك وبين شخصك، أما الثانى أى غير المتحضر فيخلط بين الاثنين، فإذ لم تعجبه كشخص رفض رأيك حتى لو كان سديدا، فهل أصبحنا جميعا، ولا أستثنى نفسى، غير متحضرين رغم تشدقنا بالخمسة آلاف سنة حضارة؟! أرجو أن تعود فكرة ناقر ونقير بين الأستاذين الكبيرين، لأنها رائعة وجديدة، ورأى كل منهما، مهما اختلفنا، ذو قيمة ويستحق الاحترام.