هل أنت نموذجي؟ طبعاً سوف تسارع لنفي الصفة عنك بمنتهى التواضع من منطلق أنه ما يصحش حد يشكر في نفسه. وفي هذا الصدد دعني أخنق عليك وأُسَفِه أحلامك وأفاجئك بأنها ليست مديحاً أو شُكرانية كما تعتقد حتى تنفيها عنك بتواضع، كما أنها أيضاً ليست شتيمة حتى تنفيها عنك بغضب. هي فقط مجرد كلمة إحنا فاهمينها غلط. فالنموذجي هو من تسير حياته وفق نموذج محدد وثابت وتقليدي، وليس هو المثالي كما نتصور. وبناءً عليه يمكننا اعتبار سكان الكوكب جميعهم نموذجيون، يسيرون على نفس النموذج البشري الذي اتفقنا عليه ضمنياً كبشر، لكي نستطيع الإستمرار على قيد الحياه. وهكذا، يمكننا استبعاد كلمة مثالي من قاموسنا البشري، فنحن لسنا مثاليين على الإطلاق. الطحالب مثلاً كائنات مثالية، تمنحنا 70% من الأكسجين الذي نتنفسه بدون أن تفتح بقها، وبدون أن يعلم معظمنا أنها هي المصدر الرئيسي للأكسجين الذي نتنفسه، بينما نحن لسنا أكثر من كائنات طفيلية، عايشة على أفا تلك الطحالب. الطحالب كائنات مثالية أما نحن فلا. نحن كائنات نموذجية تماماً، تم تصميمنا للتعامل مع النماذج الثابتة في التفكير والتصرف وارتداء الملابس وطريقة التحدث وتناول الطعام، وكل شيء تقريباً. وربما كانت تلك هي مشكلتنا الأساسية كبشر. إذ أننا إذا استقرينا على نموذج بعينه للحياه فإننا بذلك لا ننفي فقط النماذج الأخرى للحياه، وإنما أيضاً نستبعد مسبقاً ما قد يُستجد من نماذج، ربما كانت أفضل كثيراً من النموذج الذي نتبناه في الحياه والتفكير والتصرف. نحن كائنات تحكمها العادة والسَستَمَة إلى الدرجة التي لم يعد يلحظ معها البعض كم أصبح متسستماً، وإلى أي حد صار – للأسف- نموذجياً. نحن كائنات يحكمها النموذج، وهو نفسه – للمفارقة -النموذج الذي إضطررنا أحياناً في فترات مختلفة من تاريخنا البشري لاستبداله بنماذج أخرى، لنفس السبب الذي من أجله اتبعناه في باديء الأمر، للإستمرار على قيد الحياه. إذن ما فعلناه في وقت من الأوقات لسبب معين، هو نفسه ما اضطررنا في أوقات أخرى إلى عدم فعله لنفس السبب. في وقت من الأوقات، في بدايات التاريخ ومع انطلاق إشارة بدء فعاليات لعبة الحياه الأوليمبية، كان لزاماً على المجموعات البشرية القليلة على سطح الكوكب أن ترتحل بحثاً عن الماء والغذاء والصيد وموارد الحياه، بينما في وقت آخر، بعد اكتشاف الزراعة كان لزاماً عليها أن تستقر في أراض بعينها وتتخذها موطناً لها، ثم في وقت آخر، العصر الجليدي والظروف المناخية القاسية، صار لزاماً عليها أن تصعد إلى الكهوف، وهكذا... ومع كل تغيير في المكان وطريقة الحياه، كان هناك تغييراً مُصاحباً لطريقة التفكير والتعامل مع الحياه والكون. ولو لم تكن البشرية مرنة في بعض الأحيان في تغيير نموذج تفكيرها لما كانت قد تمكنت من الإستمرار على قيد الحياه ومواصلة رحلتنا البشرية الطويلة والحزينة والتي ينبغي أن نواصلها حتى يصل بنا الحزن مداه، وعندها فقط سوف تنتهي الرحلة. لهذا لا تستبعدوا حقيقة أننا بحاجة إلى إعادة ترتيب أدمغتنا بكل ما تحتويه من نماذج فكرية ثابتة، عودوا أنفسكم على التخلص من النماذج المعلبة لأن ما سوف تكتشفه البشرية لسه، أكثر بكثير جداً مما تظن أنها خلاص قد جابت آخره وسبرت غوره واكتشفته، وها هي الألعاب التاريخية والخدع بتاعة زمااان أوي تتكشف خدعة وراء أخرى، ها هي وقائع الحاضر تؤكد ألاعيب التاريخ، لهذا كونوا مرنين ولا تتفاجأوا، فالمفاجآت الحقيقية والإكتشافات اللي بجد لسه جاية.