«لا إخلاء قسريًا لسكان المنطقة، وحق الملاك محفوظ»، هكذا أعلنت وزيرة التطوير الحضارى الدكتورة ليلى إسكندر، عقب اجتماعها مع رئيس مجلس الوزراء الدكتور إبراهيم محلب، الجمعة الماضية، لاستعراض التصور المقترح لتطوير منطقة مثلث ماسبيرو، مشيرة إلى أن سكان ماسبيرو سيتم تخييرهم بين السكن فى نفس المنطقة بعد تطويرها، أو الحصول على تعويض مناسب، أو الانتقال إلى وحدة سكنية فى منطقة أخرى، وستتولى وزارة التطوير الحضرى سداد تكلفة إيجار وحدات سكنية مؤقتة للأهالى طوال فترة تطوير المنطقة. التحرير زارت منطقة مثلث ماسبيرو، عقب الإعلان عن مشروع التطوير، لتقف على رد فعل الأهالى، وموقفهم من هذه القرارات، وهل تلبى هذه القرارات طموحاتهم التى حلموا بها سنوات عديدة. الشك سيد الموقف بين الأهالى والحكومة بمجرد دخولنا إلى المنطقة، وقد بدا علينا أننا لسنا من سكانها، وبعد اقترابنا ممن تجمعوا أمام ورشة تصليح سيارات، والتى تقع فى مقدمة المنطقة، بادر أهالى إلى سؤالنا: انتو منين بقى، الحى ولا المحافظة، ولا التعبئة والإحصاء، ولا إيه؟ ، تلك الأسئلة التى عرفنا منها على الفور، أن سكان هذه المنطقة جاءتهم كل تلك المؤسسات المذكورة، لتسألهم عن حالهم وعن مطالبهم. عم سعيد محمود، والذى قارب السبعين، قال: من زمان وفى كل عهد ييجوا يقولوا لنا هنطوركو، وهنعمل ليكو وهنديكو فلوس، ولا شىء يتم على أرض الواقع، وفى كل مرة يأتون ويسألوننا عن آرائنا ومطالبنا، رغم أنهم يعلمونها جيدا، ولكن لا شىء يتم ، ويتابع الدولة فى النهاية ستنفذ ما تريد، ولن تلتفت إلى مطالبنا التى طالما جاؤوا ليسألونا عنها . هذا الرأى اتفق معه عم محمد حسن، صاحب الورشة، الرجل السبعينى أيضا، الذى يسكن ويعمل بالمنطقة أيضا، حيث سمع من فترة طويلة أن على كل سكان المنطقة تسجيل أسمائهم وبياناتهم فى الحى، حتى يثبت أنه من سكان تلك المنطقة ويشمله تطويرها، وأنه ذهب وفعل ذلك مع باقى سكان المنطقة، ولا شىء حدث، مؤكدا أنه لا يثق فى كلام الحكومة ، ويرى أن الحكومة لا تريد تطوير المنطقة، كل ما تريده هو أن تُخلى المنطقة من سكانها، لتسلمها إلى الملاك الأصليين المتمثلين فى 3 شركات أجنبية، على حد قوله. عم سعيد يرى أن الحكومة لن تترك الناس البسيطة تسكن على النيل، فى أهم مناطق القاهرة حيوية، وبالقرب من أفخم الفنادق النيلية، وأهم المؤسسات الحكومية رفيعة المستوى، كوزارة الخارجية، ومبنى الإذاعة والتليفزيون، ويتابع بالكتير ممكن يدّونا فلوس مش هتكفى نجيب بها أوضة إيجار ، معللاً ذلك بأن هناك عددا من سكان المنطقة ممن انهارت منازلهم عام 1996 قالوا إنهم سيعوضونهم، ولم يفعلوا ذلك حتى الآن، كما انهار منزل منذ ما يقرب من 3 أشهر، ولم يأخذ أحد تعويضا. سيدة رفضت ذكر اسمها، اقتربت منا وحكت لنا واقعة لتثبت من خلالها أن هذا الكلام الذى سمعوه من محلب وإسكندر، لا يثقوا فيه، فمنذ 6 سنوات وقع بيت زوج أختها مع عدة بيوت أخرى، وذهبوا إلى الحى لتعويضهم، فطلبوا منهم أوراقا عليها بياناتهم، وكذلك 1050 جنيها من كل صاحب حجرة، حتى يعطوهم شققا بديلة فى مناطق أخرى، فدفع الناس تلك المبالغ، وانتظروا فترة ولا شىء يحدث، وعندما ذهبوا مرة أخرى إلى الحى يطالبونهم بما وعودهم به، قالوا لهم: الموظف خد الفلوس والورق وهرب ، ومؤكدين لهم أن وجود موظف حرامى ليس ذنبهم، مما اضطر أختها إلى أن تسكن معهم تارة ومع أهالى زوجها تارة. الأهالى: لن نترك أماكننا فى أثناء سيرنا بين أنصاف وبقايا منازل متهالكة، قابلتنا سيدة تجلس على كرسى أمام منزلها المتهالك، والمكون من دور واحد، وله شرفة واحدة ضيقة تطل على شارع ضيق، تدعى الحاجة نجاح إبراهيم، أم لأربعة أبناء، جميعهم متزوجون ويسكنون معها فى هذا البيت، لم تفكر طويلاً فى الحديث معنا عن رأيها فى ما أعلنته الحكومة، حيث انطلقت قائلة: مش هسيب مكانى هنا ، وأضافت أنها ترفض فكرة الحصول على تعويض مالى مقابل ترك هذا المكان، وتابعت لن أترك المكان الذى لا أعرف غيره لأسكن فى مكان آخر لا أعرفه . الحاجة نجاح أكدت أن أهالى المنطقة لديهم نفس الرغبة، وعلى استعداد تام أن يظلوا فى تلك المنازل الآيلة للسقوط، ولا يذهبوا للعيش فى مكان آمن لا يعرفونه، كما تعجبت من مبالغ التعويضات التى سمعت عنها، معتبرة إياها قليلة للغاية، حيث لن يتمكن أحد من شراء حجرة واحدة فى أى مكان، معتبرة أسعار إيجار الشقق التى أعلنتها الدولة، التى ستبنيها لهم هنا، لم تراع مستواهم الاجتماعى، فهى تدفع حاليا 2 جنيه إيجار فى الشهر، وسمعت أنها ستدفع 200 أو 300 جنيه فى الشهر، وذلك ما يعد فوق طاقتها. ووافقتها فى هذا الرأى الحاجة ابتسام جمال، أحد سكان المنطقة، موضحة لا أحد من سكان المنطقة يستطيع أن يدفع حتى 100 جنيه إيجارا فى الشهر، فهى تسكن فى بيت ملك، وتؤجر حجرات به، وثمن الإيجار فى تلك المنطقة يتراوح بين 50 قرشا، و3 جنيهات، لذلك لن يقبل أحد أن يدفع هذه المبالغ التى نسمع عنها. ويبدو أن نساء مثلث ماسبيرو قد اتفقن على نفس الموقف، فمنى السيد، التى اقتربت منا، أكدت هى الأخرى أنها لن تترك المكان، ولو ليوم واحد، وليس لمدة سنتين كما أعلنت الدولة، موضحة أنها سيدة تعمل بالقرب من مثلث ماسبيرو ، ولا تدفع مواصلات للذهاب إلى عملها، تذهب إليه، وتأتى منه ببلاش ، وهى تسكن مع 5 غيرها فى بيت ومعها والدتها وأخوها وأبناؤه، ويدفعون ثلاثة جنيهات فقط. منى قالت إنها مع أسرتها قاموا بدفع 8 آلاف جنيه، من أجل إصلاح منزلهم القديم، حتى لا ينهار فوق رأسهم، على الرغم من أن المبلغ فوق طاقتهم، فهم ليس لديهم أى خيار غير العيش فى المنطقة. أصحاب المحلات: مصيرنا مجهول بجوار منزل الحاجة نجاح مباشرة، يقع مطعم الفول والطعمية ، لصاحبه محمد محمد أحمد، الذى وقف هو الآخر يسمع حديثنا، دون أن ينطق، وعندما سألناه عن رأيه، كانت إجابته سؤالاً: أنا صاحب مطعم هنا مش ساكن ماتعرفيش هيعملوا معانا إيه؟ ، وأوضح أنه هو الآخر لا يعلم مصير المحلات فى منطقة مثلث ماسبيرو ، وأنه يتابع ويسمع من جميع المسؤولين، ولا أحد يتحدث عن مصير المحلات وأصحابها. محمد لا يملك هذا المطعم الصغير بمفرده، فأخوه له نصف المطعم، كما يعمل فيه 3 عمال غيره، حيث قال إن هذه المحلات تفتح بيوتا كثيرة، فكيف لا يهتم بمصيرها أحد، ولماذا لا يتحدث أحد عنهم، وعن موقفه أكد أنه لا يريد هو الآخر أن يترك المنطقة، ولا يريد تعويضا فقط، يريد مثل الآخرين أن تبنى له الدولة مطعما جديدا، شأنه شأن المساكن والأهالى. وعن مبدأ التعويض، قال فتحى أبو المجد، صاحب محل بقالة فى مثلث ماسبيرو ، الذى يدفع فيه 2.35 قرش إيجارا شهريا، إنه لن يقبل تعويضا مقابل أن يترك محله، فرغم أنه يسكن فى منطقة بولاق الدكرور، يعمل فى هذا المحل من أكثر من 50 عاما، ولديه رخصة تجارية، ويعرف سكان المنطقة جيدا ويعرفونه، كما يأتون للشراء منه خصيصا، لذلك فلا يقبل أن يأخذ تعويضا مقابل المحل. أبو المجد شأنه شأن حنفى عبد المطلب، فرغم أنه يسكن فى المنطقة ومتابع جيدا لتصريحات المسؤولين الخاصة بالتطوير، فإنه لا يعلم شيئا عن مصير المحلات التجارية بها، فعبد المطلب يملك محل ترزى، يعمل به منذ 34 عاما، ولا يعلم شيئا عن مصير لقمة عيشه . عبد المطلب يرى أنه حتى وإن انطبق عليهم ما سيطبق على السكان والمنازل، بحيث يتم نقلهم لمدة سنتين فى مكان آخر، حتى انتهاء التطوير، فإن ذلك غير مناسب وغير منصف بالنسبة إليهم، فالمحلات التجارية المختلفة هى مصدر للرزق، وهى من تنفق على أسرهم، متسائلاً: هل الحكومة هتصرف علينا فى السنتين دول؟ . وثيقة التطوير لا يعلمها الجميع ليلى إسكندر، وزيرة التطوير الحضارى، تحدثت عن توقيع وثيقة تسمى وثيقة تطوير منطقة مثلث ماسبيرو بحضور رئيس الوزراء قريبًا، وأنه سيوقع عليها أصحاب المصلحة، وهم السكان، والمستثمرون، والحكومة. تلك الوثيقة التى أكد لنا هيثم حمدان، صاحب محل بقالة ب مثلث ماسبيرو ، أنه لا يعلم عنها شيئا، رغم أن لديه محلا ومنزلا فى المنطقة، وتعجب كيف سيوقع الأهالى على وثيقة لا يعلمها الجميع، وتساءل عن الذين ستختارهم الدولة للتوقيع على وثيقة ستحدد مصير الكل. هيثم قال إنه يعلم أن هناك رابطة باسم أهالى ماسبيرو، تتحدث باسم الأهالى، ولكن هذه الرابطة لا تتواصل مع جميع الأهالى، وتعتمد على نشر كل شىء على صفحتهم الخاصة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك ، وهو بالطبع ما لا يناسب معظم أهالى ماسبيرو ، لأن كثيرا منهم لا يجيد القراءة والكتابة، وبعضه ليس لديه إنترنت من الأساس ليدخل عليه، متسائلا عن أسباب قبول الدولة لهذه الرابطة، وهى لم تتأكد من أنها تتواصل مع جميع الأهالى، وأن جميع الأهالى توافق على قراراتها. سيد ثابت هو الآخر لم يسمع عن الوثيقة من قبل، فلم يتحدث أحد عنها، ولم يسأله أحد عن رأيه، واعتبر ذلك سيتسبب فى أزمة حقيقية، فما يصل إلى الدولة من آراء وتبنى عليها قرارات لن يكون الرأى الحقيقى لجميع السكان هنا، ولن يمثلهم جميعا، وربما سيقابل بالرفض. كما طالب ثابت أن تقوم رابطة أهالى ماسبيرو التى تتواصل مع الدولة، بالتواصل أيضا مع الأهالى، بالحديث المباشر معهم، وليس بالحديث على فيسبوك ، أو على الأقل بتعليق ورق بالاقتراحات والاجتماعات التى يقومون بها على حوائط المنطقة، حتى يعلم عنها الجميع. تطوير يناسب الجميع مصطفى ناصرى، منسق عام رابطة أهالى منطقة مثلث ماسبيرو، قال ل التحرير إنه التقى يوم الثلاثاء الماضى الدكتورة ليلى إسكندر وزيرة التطوير الحضارى، وإنه تم الاتفاق فى تلك الجلسة على مبدأ الإحلال والتطوير، وليس التهجير، موضحا أن مساحة منطقة مثلث ماسبيرو بالكامل 73 فدانا، عليها 4620 ساكنا، و857 محلا تجاريا، حيث إن الدولة ستعطى لأهل المنطقة مساحة 11.6 فدان، تلك المساحة التى ستقوم ببناء المنازل الجديدة عليها، وباقى المساحة ستذهب إلى أصحاب الأرض، المتمثلة فى الشركة الكويتية، والشركة السعودية، وشركة ديوب، وماسبيرو، مؤكدا أن الدولة لا بد أن تبدأ بمشروع الأهالى فى البداية حتى يتمكنوا من البقاء بها فى أثناء التطوير. ناصرى أضاف أن هناك ثلاثة نماذج للسكن الجديد بنظامى التقسيط والتمليك، وهى قسط تملكى وهو تقسيط ثمن الشقة وإيجار، النموذج الأول بمساحة 38 مترا، سعر الإيجار به 66 جنيها، والقسط التملكى 139 جنيها شهريا، أما النموذج الثانى فهو بمساحة 56 مترا، سعر الإيجار به 166 جنيها، والنموذج الثالث بمساحة 72 مترا، سعر الإيجار به 208 جنيهات، مؤكدا أن هناك مناقشات لتخفيض تلك الأسعار. ناصرى أشار إلى أن الدولة قبل كل هذا ستقدر ثمن كل بيت، وستخصم ثمن هذه التقديرات من الأقساط، أو من ثمن الشقق، حيث إنه حتى الآن تتجه الدولة إلى تقدير ثمن الحجرة الواحدة 40 ألف جنيه، لافتا إلى أنه غير مناسب، حيث يجب على الدولة أن تعيد التقدير حتى ترفع عن الناس كاهل الأقساط الشهرية العالية، حيث كلما يرتفع ثمن تقدير الشقق قلت الأقساط، لأنها تخصم منها. وعن وثيقة التطوير التى تحدثت عنها الوزيرة، قال إنه بالفعل سيتم توقيع هذه الوثيقة يوم 27 من ديسمبر الجارى، والتى تتكون من ثلاثة أطراف، الأهالى والمستثمرين والدولة، المتمثلة فى المهندس إبراهيم محلب، وأنها ستنص على آخر ما سيتم التواصل عليه خلال هذه الفترة من الأسعار، والمساحة المخصصة للأهالى المقدرة ب11.6 فدان، وأنها ستكون الجزء الموازى لمنطقة 26 يوليو. وعن معرفة الأهالى بتلك الوثيقة، اعترف ناصرى أنه بالفعل لا يعلم الجميع عنها، ولكن ذلك هى مهمتهم القائمة حاليا وأيضا خلال المرحلة المقبلة، بحيث يعلم الجميع ما سيتم معهم، وحتى يكون القرار بالإجماع. وعن مصير المحلات التجارية أيضا، قال ناصرى إن الدولة لم تنس أصحاب المحلات، حيث تم الاتفاق على أن يكون الدور الأرضى بنماذج المنازل جميعها مخصصة للمحال التجارية، وسيطبق عليهم أيضا نماذج القسط التملكى والتأجير، وسيخيرون أيضا بين هذا وذاك.