فى عزاء الراحل سعد الدين وهبة قبل أن يأتى المعزون كان صديقه فريد شوقى حاضرًا ولمح المنتج محسن علم الدين وهو يشرف على كل التفاصيل فى السرادق، فخاطبه قائلا «يا محسن إوعى تموت قبلى، أنا عايزك تعملِّى صوان كله أبهة زى سعد»، حدث ذلك فى نهاية شهر نوفمبر عام 1997، أشهر قلائل ورحل فريد شوقى ونفذ محسن وصية الملك. فى تلك السنوات، قبل الانتشار الفضائى، كانت التغطية الصحفية لا تزيد على خبر، وربما صورة ولا أكثر، الآن وجدنا العزاء يُصبح هو المانشيت، وفى عديد من الصحف يعتبره رئيس التحرير هو الأهم بالمتابعة والرصد بل والتحليل، حيث يلتقطون بالكاميرا صورة الفنان لحظة وصوله ويتابعون بدقة إلى أى مدى كان حزينًا، وهل انهار وهزمته مشاعره فأجهش بالبكاء رغمًا عنه على فقدان صديقه، أم تحجرت الدموع فى عينيه، وماذا قال بالضبط لأهل الراحل، وهل نسى خصومته مع فلان وصافحه عندما التقاه فى الصوان أم أشاح بوجهه بعيدًا. بينما أمام السرادق يتحول المشهد إلى فرصة لا تعوض لعشرات الكاميرات المزروعة مبكرًا، الكل يبحث عن الموقع الاستراتيجى لتسجيل برامج مجانية مع النجوم، بعد سؤال مقتضب عن مسيرة الراحل ينتقلون مباشرة إلى الجزء الثانى من الحوار، لو كنا فى رأس السنة يُصبح السؤال عن نجوم العام الأفضل والأسوأ، ولو كنا فى رمضان يصبح السؤال عن مقالب رامز جلال. أمام كل ذلك طالبت رانيا فريد شوقى فور عودتها من عزاء صديقتها معالى زايد على حسابها الإلكترونى بأن لا يقيم لها أحد بعد عمر طويل سرادقًا، مكتفين فقط بقراءة القرآن الكريم، وأصبح الجميع شهودًا على تلك الوصية. الفضائيات المصرية والعربية تفرد مساحات مبالغًا فيها لمتابعة واجب العزاء وقبلها تشييع الجنازة، والجمهور على الجانب الآخر صار نهمًا وهو يبحث عن دموع ومشاعر النجوم الحقيقية بعيدًا عن الشاشة، ولم يدرك أن بعضهم بسبب احتراف المهنة صار يعيش ممثلا 24 ساعة، يعرف بالضبط كيف يتعامل بعقل يقظ ومشاعر باردة مع اللحظة، حزينة أم سعيدة، كأنه يصور مشهدًا فى فيلم. عدد من النجوم والفنانين أصبح يحدد حجم أحزانه باحتمالات وجود كاميرات تليفزيونية وصحفية لتغطية الحدث. يظل الفنان يبحث عن تلك البقعة من الضوء حتى إن بعضهم لو لم يجد ما يثير نهم القراء والمشاهدين يسارع بإطلاق شائعة تعيده مرة أخرى إلى بؤرة الاهتمام. الضوء هو الهدف الأثير لديهم، أسوأ ما يواجه الفنان ليس أن يُكتب عنه مثلًا أنه قدم عملا رديئًا، ولكن أن تتجاهله تماما كأنه لم يكن هناك، هذا هو أكبر عقاب يوجه إليه. كثيرة هى الشائعات التى صنعها بعض الفنانين عن أنفسهم، بدأت بعدما خاصمتهم الأضواء حتى إن بعضهم مثلاً ساعد على انتشار خبر موته، فعلها مخرج عندما كان شابا وعندما رحل قبل سبع سنوات، فقيل إنه مات مرتين. شائعة الزواج والطلاق والحب والهيام وأضيف إليها الآن تقديم واجب العزاء تلعب دورًا فى إتاحة الفرصة للفنان ليظل على قيد الحياة الإعلامية. هل الفنان يعشق الضوء أم الإبداع؟ أغلب نجومنا يحركهم الوهج فهم يسعون للبؤرة الضوئية وكثيرًا ما أرى فنانة تلح على إدارة عدد من المهرجانات للوجود ليس لها فيلم ولا هى مكرمة، ولكنها مثل الفراشة تبحث عن بصيص أى ضوء لتذهب إليه، حتى لو حرقتها الأضواء ستلقى نفسها فى أحضانها. عاش فريد شوقى زمنًا، كان الكل يحترم فيه رهبة الموت وحرمة العزاء، وشاهدت رانيا فريد شوقى سرادقات وداع يحيلها أنصاف الفنانين إلى فرصة لتحقيق نجومية على حساب الراحل العزيز!