«براءة.. عودوا إلى مقاعدكم».. فانطلقت صافرات الإذن لحملة شرسة ضد ثورة 25 يناير، قادتها قناة رجل السيراميك الأول، والتى كان لها الحق الحصرى فى بث جلسات المحاكمة، وكان لها الحق فى دخول غرفة المداولة، فاعتبار ثورة يناير مؤامرة ليس كلام إعلام، سيقولون لك: لا علاقة لأطراف من الدولة به، والحقيقة غير ذلك تمامًا، فالهجوم على يناير من أكبر رجال الدولة وارد بنص الحكم، راجع شهادة المشير طنطاوى ص 115 من الحكم، وشهادة الفريق سامى عنان ص 116، وشهادة اللواء أحمد جمال الدين ص 119، وغيرها الكثير، وكلها تدور حول مؤامرة جرت على أرض مصر منذ يوم 25 يناير 2011، على الرغم من أن بين هؤلاء قيادات من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، صاحب أقوى تعبيرات عن «حماية الجيش للثورة»، ووصف الثورة بأجمل الصفات فى 2011، ومن هنا ينبغى الإشارة إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى، وهو أحد قيادات المجلس العسكرى فى 2011، ويُعرف أنه صاحب صياغة البيان الشهير الذى أصدره المجلس العسكرى وأعلن فيه تفهمه «لمطالب الشعب المشروعة» فى أثناء الثورة، ظهر بشكل حاسم بعد الحكم معبّرًا عن انحيازه لثورتَى 25 يناير و30 يونيو، على حد سواء، وقال (كلامًا) واضحًا فى اجتماع جمعه بشباب الصحفيين والإعلاميين عن أخطاء نظام مبارك، وعن التزامه بخط «ثورتَى» 25 يناير و30 يونيو، واعتزم إصدار قانون لتجريم الإساءة لثورتَى يناير ويونيو، وهى خطوة مطلوبة، لكنها ليست وحدها كافية بالتأكيد! علاوة على أن وزير العدل قال فى حواره ل«الوطن»، يوم الثلاثاء الماضى، إن الرئيس لم يطلب منه إصدار هذا القانون أصلًا! ثم جرت موجة من الهجوم على القانون قبل أن يصدر، بحجة أن هذا القانون يحجر على حرية الرأى، وكأن الإساءة إلى ثورة يناير حرية رأى، والأغرب أن من يتشدَّقون بحرية الرأى رغبة فى نصب سيرك المشتمة لثورة يناير، هم أنفسهم مَن يتهمون كل مخالف لهم فى الرأى بالعمالة والطابور الخامس! ونسألهم هل يمكن اعتبار إهانة الدستور حرية رأى؟! هل يمكن اعتبار إهانة العلم حرية رأى؟! فلماذا الإصرار على إهانة ثورة يناير رغم إشادة الدستور بها؟! اعتبار ثورة 25 يناير مؤامرة يضرب شرعية النظام فى مقتل، فلو كانت مؤامرة فلنقض على هذه المؤامرة ويعود الحق إلى أصحابه، فيصبح مبارك البرىء بحكم ملعوب فى أوراق قضيته ، هو الرئيس، وكل ما جرى نتيجة هذه المؤامرة باطل، وأرجو أن تنظروا كيف يتغمَّز المصريون عن هذه البراءة بتعبيرات شعبية من عينة طبخوها ! سيقولون فلنغلق الماضى ونتطلع للمستقبل، كيف إذن والماضى يتقدَّم نحو البرلمان القادم بكل قوة؟! وحين تجرى إدانة الثورة فى الماضى، ثم تتقدَّم قوى الفساد والاستبداد لاحتكار المستقبل فى البرلمان، ماذا يتبقى من الوطن إذن؟! ولا حل أمامنا سوى إدانة سياسية واضحة لنظام مبارك، فمبارك إلى مزبلة التاريخ ولو حصل على ألف براءة بأوراق ملعوب فيها، وأن تؤكد الدولة اعتبار شرعية النظام قائمة على الدستور -أقسم الرئيس على احترامه- والدستور يستند إلى ثورتَى يناير ويونيو، وعدالة انتقالية تضمن جبر الضرر والمحاسبة والمكاشفة بالحقائق، وفتح مجال للسياسة عبر البرلمان القادم من خلال وجوه إصلاحية تجعل المستقبل أفضل من مآسى الماضى، وللأسف أرانا على عكس هذا الطريق بالجملة.. وهذا أخطر ما يقلقنى!