مدبولي يوجه التعليم لمواجهة العنف والتحرش    وزارة الداخلية: ضبط 36 شخصاً لمحاولتهم دفع الناخبين للتصويت لعدد من المرشحين بخمس محافظات    الرئيس السيسي يبحث مع نظيره الكونغولي سبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين    رئيس الحكومة يكشف عن نسبة المواطنين تحت الفقر في مصر: مررنا بفترة استثنائية صعبة    جهاز تنظيم الاتصالات يفتتح فرعًا جديدًا في الغردقة    افتتاح فرع "تنظيم الاتصالات" بالغردقة تجريبيًا لتعزيز جودة خدمات الاتصالات    جلسة صعود وهبوط: 6 قطاعات فى مكسب و10 قطاعات تتراجع    رئيس قطاع فلسطين بالجامعة العربية: توثيق الجرائم الإسرائيلية واجب قانوني وأخلاقي    تدريبات استشفائية للمنتخب قبل السفر إلى المغرب    منتخب مصر تحت 16 عامًا يفوز على اليابان بركلات الترجيح    وزير الرياضة يوجّه بتذليل العقبات أمام علاج صابر عيد بمعهد ناصر    الأمن يكشف حقيقة تعدي فرد شرطة على سائق بالضرب في القاهرة    بحوزته مبالغ مالية.. القبض على شخص يقدم رشاوى انتخابية بحلوان    اول رد من محمد رمضان على تأييد حبسه في قضية أغنية "رقم واحد يا أنصاص"    مدبولي: الرئيس السيسي طلب من شركة إيني تولي إدارة وتشغيل أكثر من مستشفى في مصر    البنك الزراعي المصري يساهم بالقضاء على قوائم الانتظار في عمليات زراعة القرنية    نائب وزير الصحة يحيل إدارة مستشفى الحوامدية العام للتحقيق    إصدار عُملة تذكارية بمُناسبة مُرور 150 عامًا على إنشاء هيئة قضايا الدولة    أرفع أوسمة «الفاو» للرئيس السيسى    ترامب: قدمت الكثير لإسرائيل وسأظل صديقًا ومدافعًا عن الشعب اليهودي    جامعة الدول العربية تطلق المنتدى العربي الأول للإنذار المبكر والاستعداد للكوارث    الروائى شريف سعيد يتحدث عن "عسل السنيورة" الفائزة بجائزة نجيب محفوظ    600 قائد عسكري إسرائيلي لترامب: لا مرحلة ثانية لغزة دون نزع سلاح حماس وإشراك السلطة    وزراء الري والزراعة والصناعة: تعامل حازم مع أى تعديات على المجارى المائية والطرق    كيف دعم حسن حسني الراحلة نيفين مندور في فيلم «اللي بالي بالك»؟    وزير الأوقاف يكرم المشاركين فى نجاح المسابقة العالمية 32 للقرآن الكريم    جوائز مالية ضخمة للمنتخبات المشاركة في كأس العالم 2026    الداخلية تضبط 3 أشخاص لتوزيعهم أموال بمحيط لجان المطرية    الأمطار وراء تأخر فتح لجنتين بالتل الكبير لمدة 20 دقيقة بالإسماعيلية    الزمالك يكشف موقف آدم كايد من لقاء الزمالك وحرس الحدود    محافظ القليوبية يكرم البطلة جنة صليح لحصولها على برونزية قذف القرص بدورة الألعاب الأفريقية    حقيقة انفصال مصطفى أبو سريع عن زوجته بسبب غادة عبدالرازق    مفتي الجمهورية يلتقي نظيره الكازاخستاني على هامش الندوة الدولية الثانية للإفتاء    مكتبة الإسكندرية تشارك في افتتاح ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي    الأهلي يحسم ملف تجديد عقود 6 لاعبين ويترقب تغييرات في قائمة الأجانب    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    وزارة الأوقاف تنظم فعاليات واسعة لمناهضة العنف ضد المرأة    بوتين يؤكد تطوير القدرات العسكرية ومواصلة العملية فى أوكرانيا    إحالة أوراق متهم بقتل شخص فى سوهاج بسبب خلافات ثأرية إلى فضيلة المفتى    المطبخ المصري.. جذور وحكايات وهوية    أم كلثوم.. حين تتحول قراءة الرمز إلى تقزيم    أوكرانيا تعلن استهداف مصفاة نفطية روسية ومنصة بحر القزوين    مشاهد عائلية لافتة في لجان المطرية بجولة الإعادة لانتخابات النواب    مع بدء التصويت بانتخابات الاعادة للمرحلة الثانية .. حزب العدل يتقدم ب 7 شكاوي للهيئة الوطنية للانتخابات    البرهان يعلن استعداده للتعاون مع ترامب لإنهاء الحرب في السودان    المصرف المتحد يرعى المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها الثانية والثلاثين    عاجل- الاحتلال الإسرائيلي يرتكب 11 خرقًا جديدًا لوقف إطلاق النار في غزة    الوطنية للانتخابات تتواصل مع رؤساء لجان متابعة انتخابات النواب فى المحافظات    عاجل- الأرصاد السعودية تحذر: أمطار ورياح شديدة على منطقة حائل    إصابة سيدة وابنها صدمتهما سيارة بقرية فى أبو النمرس    محافظ قنا يوجه بحملات مرورية مكثفة للحد من حوادث الطرق    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    إصابة ثلاثة طلاب من جامعة بنها جراء اعتداء بمياه النار في كفر شكر    مرونة الإسلام.. وخلافات الصحابة    «كامل أبو علي»: أتمنى فتح صفحة جديدة وعودة العلاقات مع الأهلي    اسعار الخضروات اليوم الاربعاء 17 ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    أحمد مراد: حبيت فيلم "الست" وبعيط كل مابشوفه فيه أجزاء بتخليني أرتعش من جوايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرق الأوسط ما بعد التخبط الاستراتيجى الأمريكى «2-2»
نشر في التحرير يوم 11 - 12 - 2014

بات جليًّا أن الحملة الأمريكية ضد تنظيم الدولة الإسلامية فى الشام والعراق «داعش» تمثل أثرا جانبيا غير مرغوب فيه لسياسة «الفوضى الخلاقة»، التى أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، عام 2005 عزم بلادها على إطلاقها فى الشرق الأوسط كأحد عناصر استراتيجية لخفض الانخراط الأمريكى فى المنطقة. وارتكزت هذه الاستراتيجية على ركيزتين: تمثلت أولاهما فى تقليص الاعتماد الأمريكى على نفط المنطقة، وهى الغاية التى باتت قاب قوسين أو أدنى. أما الركيزة الثانية فهى إفساح المجال أمام قوى جديدة فى دول المنطقة بما يتيح إحداث تغيير سياسى فى بعض الأنظمة الاستبدادية، التى لم تعد مهمة لهيكل المصالح الأمريكية بقدر ما باتت عبئًا عليه، وفى هذا السياق تم تبرير منطق الفوضى الخلاقة.
واستندت هذه الرؤية إلى نظرية راجت عقب هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001، وكانت تتحجج بأن دعم الولايات المتحدة لأنظمة قمعية واستبدادية فى الشرق الأوسط، وغلق أبواب التغيير الديمقراطى السلمى أمام شعوبه هو العامل الرئيسى فى انتشار التطرف وتعزيز نفوذ التيارات الإسلامية الراديكالية التى باتت تستهدف الولايات المتحدة ذاتها. ونادت تلك النظرية بإتاحة الفرصة أمام اندماج تيار الإسلام السياسى، خصوصا، فى عملية سياسية ديمقراطية بما يضمن عدم نزوع هذا التيار إلى منطق التغيير الراديكالى العنيف.
إلا أن هذه النظرية، مع صحتها الجزئية، أغفلت حقيقة أن منطق التطرف فى سلوك التيارات التى تتبنى مبدأ السياسة المقدسة ليس ناتجًا فقط عن انسداد أفق التغيير السياسى السلمى أمامها، وإنما ينبع بشكل أهم من تصورها امتلاك غايات مقدسة أو حتمية للعمل السياسى بما يجعلها تنزع بدورها إلى الهيمنة على العملية السياسية واحتكارها، وعدم القبول بأى طروحات مخالفة، بما فى ذلك مجمل قيم النظام الأمريكى المعولم. وبالتالى، فإن إزاحة الاستبداد الفردى أو النخبوى المغلق لمصلحة انتصار استبداد أيديولوجى أو عقائدى لم يكن يضمن تحولا ديمقراطيا حقيقيا، فضلًا عن نزع التطرف الكامن فى البنية الفكرية لتيارات السياسة المقدسة بشكل عام. بعبارة أخرى، لم تُعن هذه النظرية بتأسيس مقومات تحول ديمقراطى، بقدر ما اقتصرت على منطق إزاحة الاستبداد القائم أيًّا كانت مخرجات هذه الإزاحة، استشرافًا لرهانات تحول تنتجه التجربة والخطأ.
وعكست سياسة الولايات المتحدة رؤية أكثر قصورًا، حيث اعتمدت منطق إحلال الاستبداد ، إذ فى مقابل دعمها إزاحة بعض الحكام المستبدين فى الدول التى رأتها أقل مساسا بمصالحها الاستراتيجية فى المنطقة، سعت إلى استغلال فرصة التغيير السياسى التى أتاحتها ما عُرف ب ثورات الربيع العربى لتمكين جماعة الإخوان المسلمين فى أكثر من دولة من دول الربيع العربى. وقد عدت السياسة الأمريكية تلك الجماعة الأقدر تنظيميا وفكريا على ممارسة الضبط الاجتماعى واحتواء التنظيمات الجهادية الأكثر تطرفًا، وكذلك الأكثر استعدادًا، حسب ما أعلنه قادتها، للتوافق مع مصالح الولايات المتحدة الإقليمية. كما كانت سياسة تمكين الإخوان تخدم مصلحة أمريكية أخرى، ألا وهى خلق موازن مذهبى سنى للنفوذ المذهبى الإيرانى، الذى يتوقع تناميه إذا ما تم التوصل إلى تسوية نووية مع حكم الملالى فى طهران، دون حدوث تغيير جوهرى فى نزوعه للهيمنة الإقليمية.
إلا أن سياسة التمكين تلك أدت إلى نتيجتين تتعارضان جذريا مع غاية تقليص محفزات التطرف: أولاهما، حدوث صراع مجتمعى شمل أطرافا اجتماعية عديدة، استشعرت مخاطر نزوع الحكم الإخوانى إلى احتكار الحياة السياسية والسيطرة على مؤسسات الدولة. أما النتيجة الثانية فتمثلت فى تصاعد وزن التنظيمات الأكثر تطرفًا وحضورها، سواء فى ظل احتضان الحكم الإخوانى لها، أو فى صدارة مشهد الصراع السياسى والاجتماعى الذى أعقب الإطاحة بالإخوان فى كل دول الربيع العربى .
وفى الواقع، فقد أعادت الولايات المتحدة بسياستها تلك إنتاج تجربتها الفاشلة فى تمكين تيار الإسلام السياسى الشيعى فى العراق، لكن على نطاق إقليمى هذه المرة. وباتت المعضلة الحقيقية فى اللحظة الراهنة اتساع نطاق عوامل التطرف لتتجاوز حدود المنطقة ذاتها، مثلما يبدو من تدفق عناصر متطرفة للالتحاق بتنظيم داعش من مناطق مختلفة حول العالم، وما يحمله ذلك من احتمالات مواجهة موجة إرهاب ارتدادية ضخمة على مستوى العالم، وأيضا اتساع نطاق الصراع ليشمل قوى وتكوينات اجتماعية مختلفة باتت تواجه تهديدات وجودية.
وإذا كانت إدارة الرئيس الأمريكى الحالى باراك أوباما لا تمتلك خيارات كثيرة للخروج من هذه الفوضى، التى أسهمت فى تكريسها من خلال تعزيز سياسة تمكين القوى المتسربلة برداء الدين بعدّها الأكثر تأثيرا فى شعوب المنطقة، فإن الإدارة الأمريكية اللاحقة لن تمتلك رفاهية مواصلة التورط فى صراعات المنطقة لأمد غير محدود، وما قد يولده ذلك من أعباء ليس أقلها فقدان الولايات المتحدة فرص تعزيز وجودها الاستراتيجى فى آسيا، لذا فإنه فى ظل تلك الفوضى التى لا يتوافر بها أفق منظور، فضلًا عن رؤية استراتيجية، لتجاوزها، فإن المنطقة سيتعين عليها مواجهة احتمال خروج أمريكى مفاجئ وسريع.
ويبرز فى هذا السياق ثلاثة سيناريوهات أمام المنطقة: أولها سيناريو توافق ديمقراطى يبدو أنه يلزم لتوافر مقوماته السياسية والفكرية والاقتصادية نضالات تتجاوز أى مدى قريب، أما ثانيها فهو سيناريو المعازل الطائفية المتناحرة الذى بدأ يتكرس حاليا، وأخيرًا، سيناريو بروز أقطاب إقليمية مهيمنة ومتنافسة، وعلى الرغم من وجود مساعٍ إقليمية لتوفير شروط هذا السيناريو، فإن القوى الإقليمية الفاعلة حاليا لا تمتلك فى حال احتفظت ببناها السياسية الهشة داخليا القدرة على ممارسة هيمنة إقليمية واسعة النطاق، فضلًا عن أن تكون مستقرة. وفى التحليل الأخير، فإن المرجح أنه عبر ضريبة الدم فقط ستُعبِّد هذه المنطقة مستقبلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.