القضية لم تعد هل الغاية تبرر الوسيلة أم لا تبررها، القضية إتخذت بعدا آخر تماما متمثلا فى أن الوسيلة قد تحولت إلى غاية فى حد ذاتها. ومن هنا نشأت الورطة النفسية الواقعين فيها جميعا كمواطنين أرضيين بشكل عام، وكمواطنين مصريين بشكل أكثر خصوصية. وما تلك التحولات التى طرأت على فكرة الثورة وحولتها من وسيلة إلى غاية فى حد ذاتها سوى أحد انعكاسات تلك الورطة النفسية الناجمة فى الأساس من تعاملنا الخاطئ مع أشياء كثيرة أخرى بخلاف الثورة. تفاصيل حياتية بسيطة سوف تكتشفون من خلالها إلى أى درجة خربأنا المنطق معنا، وإلى أى حد جعلنا من الوسيلة غاية، ومن الغاية وسيلة. تفاصيل مثل الزواج مثلا... عندما قرر الله فى بدء الحياه وضع بعض الحيل الدفاعية النفسية بداخل النفس البشرية ضد الإصابة بالإكتئاب والشعور بالضياع وانعدام الحافز من أجل مواصلة رحلة الحياه الصعبة والعبثية -إذا ما نظرنا لها فى ضوء غياب الحافز- بدأ الله بفكرة الغاية والوسيلة كأساس سوف تنبنى عليه جميع تصرفاتنا وأفعالنا البشرية فيما بعد. فدائما هناك وسيلة تسوقنا إلى غاية، وإلا لما استطعنا الإستمرار على قيد تلك الحياه الغريبة التى نعرف جميعا أننا فى لحظة لا نعرفها سوف نتركها بشكل مفاجئ ودرامى. أولى تلك الحيل الدفاعية التى قمنا بصياغتها كبشر فكرة الزواج وتكوين أسرة يقوم كل جيل فيها بتسليم الراية إلى الجيل الذى يليه، تماما كسباقات التتابع، وبنفس منطق السباق فإن كل تأخير يتسبب فيه جيل يسهم فى تأخير الجيل الذى يليه، وهو الأساس الذى يتم من خلاله تشكيل المجتمع وتقسيمه إلى طبقات غنية وأخرى فقيرة. إذن الزواج وسيلة للوصول إلى غاية تتمثل فى جعل حياتك تتقدم للأفضل، وسيلة للإستمرارية، فبعد أن تفقد حوافزك،ها هو حافز جديد يدفعك إلى الإستمرار، ها هى عائلة وزوجة وأطفال سوف تستمر على قيد الحياه وتواصل رغبتك فى الترقى والنجاح من أجلهم. إلا أننا بغبائنا البشرى المعهود أفسدنا الحيلة الدفاعية وحولناها إلى غاية فى حد ذاتها، الآن الناس يتزوجوا لأنهم ينبغى أن يتزوجوا، وليس لأنهم قد اتكعبلوا خلال مشوار حياتهم فيمن يرون أنهم يمكنهم تقاسم الحياه معه. ثم بعد إتمام الزواج تتضح المفاجأة دوما، وهى المفاجأة المتمثلة فى أنه إيه اللى انا هببته ده؟! . تتبع تلك المفاجأة مشاكل كثيرة تنتهى فى معظم الحالات فى محكمة الأسرة، المحكمة الأكثر اكتظاظا بالقضايا والمشاكل فى مصر. فى الزواج تعد مسألة اختيار شريك الحياه هى قوام فكرة الزواج، كما تعد معايير اختيار هذا الشريك هى قوام سنين حياتك القادمة وكيف ستعيشها، فى سلام نفسى أم فى غم مقيم. وفى الثورة أيضا تعد مسألة اختيار شريك الثورة هى قوام فكرة الثورة، كما تعد معاييير اختيار هذا الشريك هى قوام سنين الوطن القادمة. إلا أنه كما أن اتخاذ قرار الزواج الذى يعقبه البحث عن شريك للحياه وكأنك تبحث عن كرسى للمكتب مثلا غالبا ما يفضى بالبنى آدم فى نهاية المطاف إلى التعاسة، فإن اتخاذ قرار الثورة الذى يعقبه البحث عن شريك للثورة غالبا ما يفضى بالبنى آدم فى نهاية المطاف أيضا إلى التعاسة. فكما أن الزواج الصحيح الناجح ينبغى أن يتم بشكل تلقائى خلال رحلة الحياه عندما تصبح الظروف جميعها مهيأة ومواتية بدون اعتباره أساس الحياه، أيضا الثورة الصحيحة الناجحة ينبغى أن تتم بشكل تلقائى خلال رحلة الحياه عندما تصبح الظروف جميعها مهيأة ومواتية بدون اعتبارها أساس الحياه. لا تطاردوا الزواج، سيبوا نفسكوا للحياه لحد ما تتكعبلوا فيه بإرادتكم، ولا تدعوا أحدا يسوقكم إليه ثم يترككم بعد ذلك تضربون أخماس فى أسداس على باب المحكمة. وكذلك الثورة، لا تدعوا أحدا يسوقكم إليها ثم يترككم بعد ذلك تضربون أخماس فى أسداس على باب المحكمة.