«1» أى اقتراح لحل مشكلة، مهما كان عبقريا، لا يكتمل إلا بآلية تنفيذ. مثلا، لو اشتكى ابنك ليلة الامتحان أنه لم يذاكر من أول السنة، نصيحتك له لا معنى لها إن اقتصرت على جملة مثل: «الكتاب مئتا صفحة، إن أردت أن تجتاز الامتحان فعليك على الأقل أن تقرأ 150 صفحة منه قبل أن تنام. هذا هو السبيل الوحيد». لو استغرقتْ قراءة الصفحة خمس دقائق، فإن 150 صفحة تحتاج إلى 750 دقيقة، أى أكثر من 12 ساعة. وبالتالى، هذه ليست خطة. أو بمعنى أدق، هذه خطة تتوارى نقاط ضعفها خلف ستار من عظمة النتائج المتخيَّلة لها حال تنفيذها، ويتوارى ضعف منطقها خلف ستار من «عقلانيتها». وأولى نقاط ضعفها ينسفها: أنها غير قابلة للتنفيذ. «2» بالنسبة إلى الخطة التى طرحها البرادعى للخروج من الأزمة الراهنة، والتى تتمثل فى دستور، وأن يكون الرئيس الحالى رئيسا مؤقتًا لمدة سنة، وأن يتحول الضغط إلى طريق التنظيم السياسى، أريد أن أعرف: 1- ما آلية التنفيذ؟ هل يرغب الإسلامجية أصحاب الأغلبية فى البرلمان، والذين لن تمر خطة إلا بموافقتهم، فى قَصْر مدة الرئاسة على سنة واحدة، لا سيما إن نجح مرسى؟ 2- هل هناك خطة بديلة حال رفض هذه الخطة؟ أى إجابة بغير الإثبات عن هذين السؤالين يعنى أن الخطة -سياسيًّا- فى حكم الغائبة. مهما كان جمالها النظرى. وهى أشبه بأن تقول إن «الحل لمشكلات مصر بسيط: مشاركة ف السلطة عن طريق الديمقراطية، وعدالة اجتماعية بضمان الحقوق الأساسية للأفراد، وانضباط ف الشارع بتفعيل القوانين». لو أحصيتِ حروف الفقرة بين علامتى الاستشهاد ستجدين أنها 140 حرفا بالتمام والكمال. أى أنها تصلح تويتة عظيمة. إنما الحقيقة أن هذه التويتة تحتاج إلى مجلدات لشرحها، وتحتاج إلى عقود من النضال المجتمعى والسياسى لتحقيقها. فهى عظيمة «تويتيًّا» لكنها بلا قيمة «سياسيًّا». لقد أُعجبت -كما العادة- برجاحة عقل البرادعى واستقامته، لكننى -عن محبة- لا أزال أفتقد هذا الجانب العملى. لا أزال أتخيل البرادعى صديقا أرسلناه لكى يحضر لنا الفطور من محل الطعمية القريب، فغاب وغاب، وبعد ساعات ذهبنا نبحث عنه فوجدناه واقفا يصرخ فى الناس: «الطابور يا حضرات. الطابور فى مصلحتنا كلنا». عدّاه العيب. كل الكلام ده صح. لكن إحنا عايزين نفطر. قرّبنا نموت مِ الجوع. يا إما الناس دى موافقة تعمل طابور (دى آلية تنفيذ)، يا إما تتصل بينا نيجى نزقّهم باكتافنا وتتفضل تدّى البون للبياع، انتزاعا لحقنا (دى آلية التنفيذ التانية). هيّه، تختار إيه فيهم؟! «3» خطة البرادعى، إذن، هى الخطة المنطقية، لو افترضنا أن نية القوى السياسية فعل «الصح»، أو على الأقل محاولته. وهذا مشكوك فيه جدا. لماذا؟ لأن الكتلتين الكبريين من الشعب المصرى اختارتا مرشحَين محسوبَين على جماعتَى مصالح: واحد من جماعة الإخوان المسلمين، وواحد من المؤسسة العسكرية. وجماعات المصالح، تعريفا، جماعات تعتقد أن مصلحة البلد تمر من خلال رفاهية أبناء الجماعة، ورضاهم عن الوضع القائم. جماعات المصالح فى العالم الحديث عادة جماعات من أصحاب رؤوس الأموال. أما عندنا فهى جماعات تجمع إلى جانب البعد الاقتصادى -رؤوس الأموال- البعد العقدى فى حال جماعة الإخوان المسلمين، أو البعد «الوطنى» المرتبط بالأمن القومى كما فى حال المؤسسة العسكرية. وتُطوِّعه حسب رغباتها ورغبات أبنائها. وترى أن ابتعادها عن مكان القيادة فيه خراب للبلاد والعباد. فلنتمنَّ النجاح للخطة رغم كل الشكوك. لكن، من باب الاحتياط، ومن باب حسن السياسة، فلنفكر فى خطة «باء» حتى لا نُصاب بالشلل حال رفض الخطة الحالية.. وهذا هو المتوقع.