«مفاجأة البرادعى» مفاجأة ناقصة. وكما أن الدعاية السلبية لم تنجح فى تشويه هذا الرجل المحترم فى أذهان العقلاء، فإن الدعاية الإيجابية أيضا لن تنجح فى إقناع نفس العقلاء بأن ما فعله كان كامل الأوصاف الذى فتننا. لا. «مفاجأته» تحتاج إلى «كمالة»، لو استشار واستمع وتحدث مع الآخرين لتعرف عليها. أعلم أنك تشعرين أن شيئا ينقصها، ولا تستطيعين أن تتغافلى عنه ولا أن تتظاهرى بأن شيئا لا يحيك فى صدرك منها. ليس على هذا تعاهدنا، بل على النصح المخلص الأمين ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وعلى حد علمنا. الآن فقط أستطيع أن أقول إننى كنت سأعطيه صوتى فى انتخابات الرئاسة لو شارك. أقولها لكى لا يشك شاكُّ فى أنى أتصيد له الأخطاء أو ما شابه. لكن صوتى هذا هو مساهمتى فى مستقبلى ومستقبل أبنائى، وهو يساوى عندى الكثير. وقرار البرادعى بالانسحاب لم يكن يخصه وحده. قرارات كثيرة اتخذتها وفى عقلك فكرة أن البرادعى موجود فى انتخابات الرئاسة كممثل عن الكتلة المدنية فى مصر، وليس كممثل عن نفسه. وهذه الكتلة تختلف اختلافا جذريا عن الكتلة الإسلامجية التى تثق ثقة عمياء فى «حكمة القادة»، وتنقاد فى الاتجاه الذى تشير إليه القيادة بالعصا. الكتلة المدنية كتلة لها مليون رأس. ومن كان اختياره أن تكون مصر دولة مواطنين، ودولة مساواة، ودولة اختيار حر قد يكون ملاكا أو شيطانا، لكنه بالتأكيد كائن يفكر ويختار من خارج المفاهيم الجاهزة التى يلقنها له المجتمع. كان عليه إذن أن يحترم ملايين الرؤوس التى كانت ستنتخبه، أو حتى تفكر فى انتخابه، وأن يخرج لها بكلام واضح، أو بموعد لكلام واضح، عن الخطة البديلة التى كان انسحابه من السباق الرئاسى مجرد جزء منها. لا أقول هذا لتثبيط الهمم. أبدا. فأنا مقتنع تماما بأن المسار السياسى الذى أخذنا فيه المجلس العسكرى كان مسارا انقلابيا، ومقتنع تماما بأن استمرارنا فى المشاركة فيه على هذا الحال مشاركة فى مسرحية، ومقتنع تماما بأننا إن لم نعدل هذا المسار بأخذ المبادرة فسوف نجد رموز الثورة فى السجون أو المحاكم أو المشارح قريبا، وسيعود جهاز المخابرات العامة إلى حكم مصر ويعود الإسلامجيون إلى السجون ويعود الشعب إلى التكدس فى الطوابير والأوتوبيسات. لكننى أريد أن نتعلم من أخطائنا. ولا يكفينى أن يخرج البرادعى ويملى علىّ قرارا لم يستشر فيه حتى أعضاء حملته الذين كانوا فى بيته قبل إعلانه، ولا تتوقعوا منى أن أصفق لهذا ولا أدافع عنه. هناك مشكلة فى آلية اتخاذ البرادعى للقرار، وهناك مشكلة فى استيفاء القرار للجوانب التى تتعدى الجانب الشخصى. بمعنى أنه اتخذ القرار الذى يريح ضميره الشخصى، لكن هل اتخذ إلى جانبه القرارات التى تريح ضميره العام؟ هذا هو سؤالى. سأعطيك مثلا بسيطا من حياتنا العادية. تخيلى أن الأمور تأزمت بينك وبين شريك حياتك حتى ظننت أن الطلاق هو الحل الأمثل، واتخذت القرار بكل راحة ضمير وإخلاص. هل يكفى هذا؟ هل يكفى أن تخرجى على ملأ العائلة وتعلنيه دون أن تكونى فكرت فى الأطفال وترتيبات حياتهم، وفى السكن البديل، وفى إجراءات الإنفاق، وكذا وكذا؟ البرادعى فكر فى الشق الذى يخصه. لكنه لم يشارك، ولو أعضاء حملته، فضلا عن الدائرة الأوسع، النقاش حول الترتيبات الأخرى. وبعض من هؤلاء، بعض من مؤيديه، لا يزالون يصفقون له، دون أن يوجهوا له الأسئلة الحقيقية، ويكتفون بتصريحاته العمومية. هؤلاء يضرونه ولا ينفعونه. كما أنهم لا يدركون أنهم بالفعل فقدوا زمام المبادرة وانحشروا فى ركن الدفاع عن القرار وتضخيمه. هذه الأسئلة الحقيقية وحدها هى التى ستأتى لهم من قراره بثمار، ومن دونها سيكون قراره عقيما لن يبقى له ذِكر. قال البرادعى إذن إنه سيعود إلى صفوف الشباب. بأى صيغة يا دكتور؟ هل لديك صيغة بالفعل؟ هل اتفقت معهم على صيغة؟ هل ستنشئ حزبا؟ هل ستنشئ تكتلا جامعا؟ هل ستتحالف مع قوى أخرى بعد زوال عائق منافستك إياهم على الرئاسة؟ تقول إنك ستكون فى صفوف الشباب يوم 25 لو سمحت الظروف الأمنية. هل جلست مع الشباب؟ هل اتفقتم على شعارات اليوم ومطالبه؟ هل استفدتم مما حدث فى 25 يناير وجهزتم بالفعل جهازا إعلاميا يتحدث باسم المتظاهرين؟ أسئلة كثيرة لو أجبت عنها سيكون قرارك بالانسحاب، بالفعل، ضربة معلم، وتغييرا فى المعادلة السياسية الراهنة. مع كل الحب المشروط!