بعد صمت دام قرابة ال44 عاما، رحل عن دنيانا صباح أمس، الثلاثاء، زكريا محيى الدين، عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو، وخزينة أسراره، عن عمر يناهز 94، وتم تشييع جثمانه فى جنازة عسكرية من مسجد آل رشدان عقب صلاة العصر، ودفن بمدافن الأسرة بكفر شكر بمحافظة القليوبية. وقد اشتهر الراحل بصرامته وغموضه وقبضته الحديدية، نتيجة المناصب الهامة التى تقلدها فى ظل رئاسة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والتى نادرا ما تجتمع لشخص واحد! ولد زكريا عبد المجيد محيى الدين، فى 5 يوليو 1918، بكفر شكر بالقليوبية، وتخرج فى المدرسة الحربية برتبة ملازم ثان فى 6 فبراير 1938، عمل فى منقباد بأسيوط عام 1939 والتقى هناك بجمال عبد الناصر، قبل أن يسافر إلى السودان عام 1940 ويتعرف على عبد الحكيم عامر. تخرج فى كلية أركان الحرب عام 1948، وسافر بعدها مباشرة إلى فلسطين، ليشارك فى معارك المجدل وعراق وسويدان والفالوجا ودير سنيد وبيت جبريل، وبعد انتهاء الحرب عاد إلى القاهرة ليعمل مدرسا فى الكلية الحربية ومدرسة المشاة. انضم محيى الدين إلى تنظيم الضباط الأحرار قبل ثورة يوليو بثلاثة أشهر، وشارك فى وضع خطة التحرك. اشتهر بصرامته وقوة الشخصية، نتيجة للمناصب التى تقلدها، مما دفع بالبعض ليطلق عليه لقب «الرجل الحديدى»، حيث تولى رئاسة المخابرات الحربية عقب اندلاع الثورة مباشرة ولمدة عام، قبل أن يعين وزيرا للداخلية، وفى 1954، أسند إليه جمال عبد الناصر مهمة إنشاء جهاز المخابرات العامة المصرية. من أهم اللحظات الفارقة فى حياته، ليلة 9 يونيو، عندما أسند إليه عبد الناصر الحكم له، عقب نكسة 1967. ومنذ هذا التاريخ، قضى محيى الدين قرابة ال44 عاما، فى صمت تام، كراهب يعلم الكثير من الحقائق، ولكنه لا يدرى كيف يبوح بها، ولم يدفع محيى الدين إلى كسر جدار الصمت، أى شىء، رغم كل الحوادث التى شهدتها مصر طوال هذه الفترة وحتى الآن، ليفارق الدنيا من منزله رقم 52 بشارع الثورة بالدقى صباح أمس، قبل أيام من توجه المصريين إلى انتخاب أول رئيس للجمهورية، دون أن يتذكروا، أن مصر عاش بها رئيس سابق قرابة نصف قرن، نسيه الجميع، ونسى أن لقبه الرسمى حتى مماته هو «فخامة رئيس جمهورية مصر العربية السابق»! وفى النهاية نتساءل: لماذا صمت محيى الدين كل هذه الفترة؟ وهل ستكشف لنا الأيام عن أى مذكرات للراحل، يفتح فيها خزانة أسراره، ويسرد ما عرفه عن ثورة يوليو، وغاب عن الجميع، إعمالا لحق الشعب فى المعرفة؟ من ناحية أخرى، تقدم المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة والفريق سامى عنان الجنازة العسكرية، بالإضافة إلى اللواء حمدين بدين مدير الشرطة العسكرية، وكمال الجنزورى رئيس الوزراء، ومراد موافى مدير المخابرات العامة، وعدد من قادة الأفرع الرئيسة، وعدد من قادة القوات المسلحة والشخصيات العامة ووزير الدولة للإنتاج الحربى الدكتور على صبرى. وشارك عدد كبير من الأهالى وسط استعدادات أمنية مشددة فى موكب الجنازة، الذى غاب عنه عمر سليمان نائب الرئيس السابق، والذى بدأ من منزله بالدقى وحتى مسجد آل رشدان بمدينة نصر، حيث تم أداء صلاة الجنازة عليه قبل أن يتم نقل جثمان محيى الدين إلى كفر شكر بمحافظة القليوبية.