بعد حرمان دام قرابة 18 عاما، عادت الجماعة الإسلامية وقياداتها وكذلك قيادات الدعوة السلفية، إلى الاعتكاف مرة أخرى فى مساجدها، فى مختلف المحافظات المصرية، خلال العشرة الأواخر من رمضان. مسجد أنصار السنة فى محافظة سوهاج، كان أبرز مساجد الجماعة الإسلامية نشاطا طوال رمضان، بصفة عامة، ومع بداية العشرة الأواخر على وجه الخصوص. طوابق المسجد الثلاثة تعج بالمصلين والمعتكفين، الذين شدوا الرحال إليه من قرى ومدن المحافظة الصعيدية، بعد سنوات كان يقف فيها جهاز أمن الدولة المنحل، حائلا دون إقامة أعضاء الجماعة الشعائر والسنن الرمضانية، داخل المسجد. مؤسس الجماعة الإسلامية، وعضو مجلس الشورى بها المهندس صلاح هاشم، كان على رأس المعتكفين، من قيادات الجماعة فى المسجد ذلك العام، ما شجع الكثيرين من كوادر الجماعة على الانضمام إليه، باعتبار وجوده بينهم فرصة لا تتكرر كثيرا. أهالى المحافظة من غير المنتمين إلى الجماعة الإسلامية، كانوا على موعد مع برنامج شائق، أعده لهم مسؤولو المسجد. رئيس مجلس شورى الجماعة عصام دربالة، ونائبه المهندس أسامة حافظ، اختارا ذلك العام، الاعتكاف فى المنيا، تحديدا فى مسجد الرحمن الشهير، حيث يلقى حافظ درسا يوميا بعد صلاة العصر، لا تتجاوز مدته عشر دقائق بجانب مساجد فى أسيوط والقاهرة والجيزة.
وإذا كانت عودة الجماعة الإسلامية لها مذاق آخر، فظهور التيار السلفى يحمل منحى مختلفا، فمنذ أن تم منع الدعوة السلفية من ممارسة نشاطها منذ عام 1994 وتم حصار نشاطها داخل الإسكندرية، وكانت الدعوة رغم جسدها الكبير الممتد فى أنحاء الجمهورية، إلا أنها انصاعت وتحولت لعجينة لينة فى يد جهاز أمن الدولة يحركها كيفما يشاء، ولكن ومع أول رمضان بعد الثورة خرجت الجماعة تنطلق فى المسجد وأعلنت الاعتكاف فى جميع المساجد حتى إنها سمحت للمرأة والأشبال بالاعتكاف، وفى مسجد عمرو بن العاص قدم الشيخ محمد إسماعيل المقدم، مؤسس الدعوة السلفية، ومعه الشيخ أحمد فريد الذى يتمتع ببلاغة فى الخطابة ويقود قطار الدعوة، قيادة الاعتكاف داخل عمرو بن العاص ومعهما مئات من السلفيين الذين جاؤوا من أنحاء الجمهورية ليعتكفوا مع مشايخهم. لأول مرة المسجد لا يخفت فيه صوت القرآن منذ بداية العشرة الأواخر، فأهله قائمون إناء الليل وأطراف النهار يتلون القرآن، ويتذكرون ويتدبرون معانيه من خلال الدروس التى تعقب صلاة العصر والمغرب والتهجد، لا يشغلهم الطعام أو الشراب الذى يأتيهم جاهزا ومن أشهى أنواع الأطعمة قبل أذان المغرب بدقائق فتضم مائدة المعتكفين العشرات من مصلى المسجد وجيرانه بمنطقة مصر القديمة. اعتكاف السلفيين يضاهى غيره من الاعتكافات، اللهم من كثرة الدروس والعظات التى لا تخلو من الحديث عن الدنيا والانتخابات والانتشار ودعم أحزاب الدعوة.