اكتشف الباحثون الآلاف من المتغيرات الجينية التىي لم تكن معروفة من قبل في الجين البشري باستخدام تقنية جديدة خاصة بتسلسل الجينوم، مكنتهم من سد العديد من الثغرات فى خرائط جينوم الانسان التي قاومت التسلسل لفترة طويلة. وتعمل التقنية الجديدة المعروفة باسم "الجزيء الواحد" على المتابعة اللحظية لتسلسل الحمض النووى، وهو الأمر الى اتاح الفرصة أمام الباحثين للتعرف على الطفرات الجينية المحتملة وراء العديد من الظروف التى أدت إلى اسباب وراثية حيرت العلماء لفترة طويلة، وذلك وفقا لايفان ايشلر أستاذ علوم الجينوم فى جامعة واشنطن وقائد الفريق الذى أجرى الدراسة. وأضاف ايشلر أنهم يمتلكون الان الالية التى تساعدهم على الوصول إلى عالم جديد كليا من الاختلافات الجينية التى كانت مبهمة لهم من قبل، حيث قام هو والفريق المعاون له بنشر نتائجهم فى دورية "Nature" يوم 10 نوفمبر الماضي. وحتى الآن، كان العلماء قادرين على تحديد الأسباب الوراثية لحوالي نصف الحالات الموروثة، وذلك بسبب أن التقنية المستخدمة حاليا لتتبع تسلسل الجينوم، غير قادرة على رسم خرائط دقيقة لأجزاء عديدة من الجينوم البشرى، حيث تعمل تلك التقنية على رسم خرائط للجينوم البشرى بمواءمة مئات الملايين من قصاصات الحمض النووى الصغيرة والمتداخلة لتلك التى تحتوى على 100 قاعدة، ومن ثم تحليل تسلسل الحمض النووى لبناء خريطة للجينوم. وتمكن الباحثون عن طريق اتباع تلك التقنية من تحديد ملايين من الاختلافات الصغيرة فى الجينوم البشرى، والتى نتجت عن استبدال قاعدة واحدة من النوكليوتيدات تسمى "تعدد أشكال النوكليوتيدات المفردة"، كما مكنت تلك التقنية الباحثون من تحديد اختلافات كبيرة جدا متواجدة فى شرائح الحمض النووى المتكون من 5000 قاعدة أو أكثر، ولكن لأسباب تقنية، لم يكن العلماء قادرون فى السابق على تحديد الاختلافات فى فى شرائح الحمض النووى المتألفة من أطوال تترواح ما بين 50 إلى 5000 قاعدة. أما الأن فقد مكنت تقنية المتابعة اللحظية لتسلسل الحمض النووى المستخدمة فى الدراسة، العلماء من قراءة وترتيب تسلسل شرائح الحمض النووى التى يمتد طولها لأكثر من 5,000 قاعدة، بشكل أكبر من التقنية المستخدمة فى السابق. وساعدت تلك التقنية التى طورت من قبل شركة مينلو بارك للعلوم البيولوجية، العلماء على رسم خريطة عالية الدقة للاختلافات الهيكلية فى الجينوم بكفاءة أعلى من التقنية المستخدمة فى السابق، حيث تمكن مارك شيسون، أحد المشاركين فى تأليف الدراسة، من تطوير طريقة جديدة تمكن من تحديد المتغيرات الهيكلية فى قاعدة الزوج باستخدام تلك البيانات. ولتبسيط التحليل، استخدم الباحثون جينوم من مول عدارى الشكل، وهى حالة نمو غير طبيعية تحدث عندما يخصب حيوان منوى بويضة تقتقر للحمض النووى الخاص بالأم، والحقيقة أن جينوم المول يحتوى على نسخة واحدة من كل جين بدلا من النسختين اللاتى تتواجدان فى الخلايا الطبيعية، وهو ما يبسط عملية البحث عن الاختلاف الجينى. وباستخدام النهج الجديد فى الجينوم عدارى الشكل، تمكن الباحثون من تحديد وتسلسل 26079 شرائح تختلف عن المعايير المرجعية للجينوم البشرى المستخدمة فى بحوث الجينوم، ومعظم تلك التغيرات، حوالى 22,000، لم يتم تسجيلها من قبل، وقال ايشلر أن تلك النتائج تشير إلى وجود العديد من المتغيرات الجينية التى لا يعرف عنها العلماء شيئا. تمكن ايشلر وفريقه المساعد بفضل تلك التقنية، من رسم خريطة لأكثر من 160 قطاع من الجينوم تسمى ثغرات الكروماتين الحقيقى، والتى افتقرتها المحاولات السابقة للتسلسل. وأضاف آيشلر أن جهودهم نتج عنها سد 50 ثغرة وتضييق 40 أخرى، حيث شملت الثغرات تسلسلات غاية فى الأهمية تتضمن أجزاء من جينات عناصر تنظيمية التى تتحكم فى التعبير الجينى، كما أوضحت بعد شرائح الحمض النووى المتواجدة فى الثغرات وجود أجزاء مسممة بسبب بكتيريا كولاى، تلك البكتيريا التى شيع استخدامها فى بعض عمليات تسلسل الجينوم. وقال ايشلر إنه من المرجح إذا وضعت تلك التسلسلات من الحمض النووى بداخل بكتيريا كولاى، فأنها تسقوم بحذف ذلك الحمض النووى، وهو ما يفسر عدم قدرة الباحثين على تسلسل ذلك الحمض النووى باستخدام التقنية القديمة، وأضاف أن تلك الثغرات تحتوى على تسلسلات معقدة لم تستنسخ بشكل جيد باستخدام التقنية القديمة. وأوضح ايشلر أن التسلسلات تختلف على نطاق واسع بين الأشخاص، وهو ما يفسر عدم الاستقرار الجينى، وفى الوقت الراهن يبقى استخدام التقنية الجديدة أمر مكلف للغاية، حيث يحتاج الباحثون إلى 100,000 دولار للجينوم الواحد.