منذ 20 عامًا تقريبًا، شرعتُ فى إنتاج تحقيق تليفزيونى بعنوان: «لماذا؟»، وخلال شهور قليلة جمعتُ عشرات الإجابات المصورة الموزعة على حلقات تحت عناوين: لماذا تعيش؟ لماذا تأكل؟ لماذا تعمل؟ لماذا تقرأ؟ لماذا تصلى؟ لماذا تشترى؟ وهكذا. لأسباب كثيرة، بعضها موضوعى، وبعضها يرتبط بتكوينى الشخصى والذهنى، لم أكمل التحقيق، ولا أعرف بدقة مصير الشرائط المصورة، لكننى أحتفظ بتفريغ مكتوب للإجابات، جلست أقرؤه قبل أيام تحت ضغط السؤال، الذى يفرض نفسه بشدة هذه الأيام: لماذا؟ لماذا أكتب؟ لماذا تقرأ؟ لماذا نؤيد؟ لماذا نعارض؟ لماذا؟.. هو سؤال الدهشة الأولى، مفتاح الاستفسار، أول خطوة فى طريق البحث عن تفسير سؤال نيوتن، رفيق الأطفال فى مرحلة التكوين. مشكلة «لماذا» أنه سؤال طازج، إذا بات تعفّن، وتحول من سؤال أحمر محفز للمعرفة والبحث، إلى سؤال أسود يشير إلى الندم والذهول والعتاب: رب لمَ حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرًا؟ ليه يا زمان ماسبتناش أبرياء؟! «ليه؟» هو المرادف الشعبى، و«لِمَ؟» هى البديل القرآنى لسؤال «لماذا؟»، فقد لفت نظرى أن كلمة «لماذا» لم ترد فى القرآن إطلاقا، رغم أنها وردت فى الكتاب المقدس 373 مرة. سؤال القرآن المفضل هو: «كيف؟»، فقد ورد 83 مرة مقابل 27 مرة لسؤال: «ماذا؟»، و9 مرات لسؤال: «متى؟». ■ هل تعرفون لماذا لم يتضمن القرآن كلمة «لماذا»؟ - ربما لأنه سؤال البشر، سؤال المعرفة الناقصة ومحاولة البحث عن تفسير للظواهر الغامضة، التى ترافقنا فى الحياة، سؤال البدايات الأولى فى رحلة الإنسان نحو الفهم، وبعدها يمكنه أن يسأل: «كيف؟» ليعثر على الوسيلة أو الكيفية التى يحقق بها هدفه، ثم يسأل «متى؟» ليتعرف على البرنامج الزمنى، والموعد المناسب لتحقيق هذا الهدف. أظننا فى مرحلة: «لماذا؟».. علينا أن لا نخجل ونسأل أنفسنا: لماذا نفعل كذا، وكذا؟ وماذا نريد من كذا، وكذا؟ لقد كتبت مرة فى أثناء اعتصام رابعة: ليقل لى الإخوان: لماذا يعتصمون؟ وماذا يريدون؟ وأنا على استعداد لمساعدتهم فى تحقيق هدفهم. أنا جاد جدا فى ذلك، ليس بالنسبة للإخوان فقط، لكن بالنسبة لكل الناس، فليقل المتظاهر لى ولنفسه: لماذا يتظاهر؟ وليقل الكاتب لى ولنفسه: لماذا يكتب؟ وليقل الحاكم لى ولنفسه: لماذا يحكم؟ وليقل المعارض لى ولنفسه: لماذا يعارض؟... إلخ. يجب أن يسمع الإنسان صوت ضميره، ليفهم، فإذا كان الإخوانى فى «رابعة» يبحث عن نصرة دين الله، فأنا معه، وإذا كان يبحث عن عودة رئيس وعنجهية سلطة، فعليه أن يعترف، ولا يخلط بين ذلك وبين نصرة دين الله. وإذا كان المتظاهر يريد الاحتجاج، أو التعبير عن رأى، فأنا معه، أما إذا كان يستهدف تعطيل الحياة بطريقة «فيها لا أخفيها»، فعليه أن يعترف ولا يتمسح فى حق التظاهر والاحتجاج، ولا يسمى التخريب حرية تعبير عن الرأى. وإذا كان الحاكم يحمل أمانة يدرك وطأتها يوم القيامة، ويسعى لتدبير وإدارة حياة الناس، فأنا معه، أما إذا سار فى طريق الخزى والندامة والتمتع بنفوذ السلطان، فليتحمل شروط الصراع حول السلطة، وهى شروط قاسية لم يسلَم منها كل الذى تصور أن السلطة قميص ألبسه له الله تعالى، وبالتالى لن يخلعه إلا بالموت. السؤال الصحيح هو أول الطريق إلى إجابة صحيحة، فلنتريث قليلا، نتأمل حالنا وأفعالنا، ونسأل أنفسنا: لماذا نفعل ما نفعله؟ وهل يؤدى بنا إلى ما نريد؟ أم أننا ركبنا العناد، وأصابتنا لعنة الكيد والمناكفة، فاستهلكنا الجهد فى ما لا يعود علينا بشىء نريده، ما دام يضر الآخر، هكذا نبرر الخسارة، نعيث فى الأرض فسادا، ونهدم الوطن، ونحن نصيح صيحة شمشون: علينا وعلى الجميع. احتكِموا إلى قاعدة الفقه الإسلامى الأساسية: «لا ضرر ولا ضِرَار»، واسألوا أنفسكم: «لماذا؟». وبعدها يحق لنا أن نكمل الإجابة عن بقية الأسئلة.