توقَّع البعض أن يشهد اليمن نوعًا من الاستقرار بعد نجاح مبادرة دول مجلس التعاون الخليجى فى وضع حد لتأثيرات «الربيع العربى» على اليمن، فقد ثار أهل اليمن بعد تونس ومصر وليبيا وسوريا، وتطلعوا إلى التغيير الذى يقود إلى تحسين الأوضاع فى بلادهم، وخرج الناس إلى الشوارع مطالبين برحيل النظام، والأخير سيَّر المظاهرات المطالبة باستمراره فى السلطة، جاءت مبادرة دول مجلس التعاون الخليجى لتقدِّم حلًّا نموذجيًّا يقضى بتنحِّى الرئيس اليمنى علِى عبد الله صالح، وتولِّى نائبه عبد ربه منصور هادى، السلطة، ومع بدء حوار وطنى لمرحلة انتقالية يتم خلالها الاتفاق على دستور جديد للبلاد وتقاسم السلطة. لم تكن المسيرة سهلة فى المرحلة الانتقالية، لكن الأوضاع اتّسمت عمومًا بالهدوء، حتى انقلبت الحال مع خروج «الحوثيين» من مناطقهم فى شمال البلاد، زحفًا نحو العاصمة صنعاء، استغلوا رفع الحكومة الدعم عن بعض المواد، ومنها «البترول»، غضب الناس، وأعلن الحوثى أنه يرفض زيادة الأسعار دفاعًا عن مصالح الفقراء والبسطاء، فانضم إليه الناس، زحف نحو العاصمة وفق مخطط ترعاه إيران وبالاتفاق مع الرئيس السابق علِى عبد الله صالح وأنصاره، اتفق الجميع على إسقاط النظام ونشر الفوضى فى البلاد، إيران بهدف الوجود فى المدخل الجنوبى للبحر الأحمر، عند مضيق باب المندب، ومن ثَمَّ التحكم فى المدخل والتجارة المارة عبر الخليج والبحر الأحمر وقناة السويس، فرض قواعد جديدة للعبة على دول مجلس التعاون وتحديدًا السعودية والإمارات، وفرض الأمر الواقع على مصر ومن ثَمَّ خلق قضية جديدة للاشتباك يتطلب فضه تسوية الأوضاع فى مناطق أخرى فى العراق، سوريا ولبنان. يتم ذلك عبر تمدُّد الحوثيين فى الأراضى اليمنية وبسط السيطرة على عاصمة صنعاء. أما بالنسبة إلى الرئيس السابق علِى عبد الله صالح، فالرجل الذى اضطر إلى الاستقالة بضغوط من دول مجلس التعاون الخليجى وحتى لا يتحوَّل اليمن إلى ليبيا أو سوريا، قرر العودة مجددًا إلى المشهد السياسى من خلال التحالف مع الحوثيين، يرغب فى أن ينشر الحوثى الخوف والفزع والفوضى أيضًا فى أنحاء اليمن، ومن ثَمَّ يتقدَّم حزبه وقبيلته باعتبارهما منقذى اليمن من الفوضى. اتفق الرئيس السابق مع الحوثيين على الزحف نحو العاصمة، وأصدر أوامره لرجاله والعسكريين التابعين له بترك معسكرات الجيش ومخازن السلاح كما هى للحوثيين، ما عليهم هو ترك المعسكرات وما فيها من سلاح وتسلميها إلى الحوثيين، وهو ما حدث بالفعل فاجتاح الحوثى معسكرات الجيش وغنم ما بها من أسلحة وواصل طريقه نحو العاصمة صنعاء، فدخلها وأخذ فى التمدُّد جنوبًا. هنا استغل تنظيم القاعدة الموجود فى مناطق شرق اليمن وجنوبه، وبدأ يشن الغارات على معسكرات الجيش ويوطّد وجوده ويسيطر على مزيد من الأراضى، فالدولة اليمنية فى أضعف حالاتها، العاصمة تحت تهديد الحوثى والجيش تفرَّق وتوزَّع سلاحه على القبائل، وغنم الحوثى الشق الأكبر منها. فى الوقت ذاته نشط الحراك جنوبًا وبدأ فى تسيير المظاهرات المطالبة باستقلال اليمن الجنوبى، فقد وجد الحراك الجنوبى فى ضعف الدولة وتهديدات الحوثى ونشاط تنظيم القاعدة، فرصة سانحة لتحقيق هدف الخروج من الاتحاد مع الضمان من جديد. لكل ذلك يبدو أن اليمن مُقدم على تطورات شديدة الخطورة، منها أن إيران ومن خلال الحوثى باتت قريبة من السيطرة على مضيق باب المندب، المدخل الجنوبى للبحر الأحمر، ومنها ثانيًا أن تنظيم القاعدة سوف يتوسَّع فى هذه المنطقة، ومنها ثالثًا أن اليمن مهدد بالانقسام من جديد، وما يهمنا هنا هو أن هذه الأحداث وما سوف يترتب عليها من نتائج سوف تؤثِّر بقوة على الأمن القومى المصرى، أمن منطقة الخليج العربى، وهو أمر يتطلَّب تعاونًا مصريًّا خليجيًّا، (سعوديًّا، إماراتيًّا بالأساس) من أجل مواجهة المخاطر القادمة من أرض اليمن.