الانتصارات الكبرى فى حياة الشعوب لا تشيخ، تظل إلى الأبد شابة وعفيّة ومتجددة، تكشف أسرارها يوما بعد يوما، لعلها تكون ملهمة وباعثة على الأمل الذى يولد من رحم الخسائر والانكسارات. ونصر أكتوبر بين كل الانتصارات العسكرية والإنسانية لشعوب قهرت الهزيمة، علامة كبرى، يكشف عن أن السر دومًا فى صمود هذا البلد، وعصيانه على موجات الغزو المتتالية منذ آلاف السنوات، هو تماسك هذا الشعب، وانصهاره مع قياداته، وجيشه المقاتل الشجاع، وهو الأمر الذى تجلى فى أنصع وأبهى صوره فى عبور قناة السويس، واستعادة سيناء من يد الاحتلال الإسرائيلى. ورغم مرور 41 عاما على نصر أكتوبر العظيم المبهر، فلا يزال هناك كثير من أسرار الانتصار غائبة أو كامنة فى الظل، ربما عن وعى أو عن عدم إدراك، لأن استمرار اشتعال جذوة هذا الانتصار وتحويله من احتفال سنوى إلى سلوك حياة، سيكون أحد أهم أسباب تطور هذا الوطن الغالى، الذى يهضم أهله الخسارات المفاجئة، فيدرس أسبابها ويعالج أوجه القصور، ليعود من جديد مفاجئًا ومتوهجًا. ورغم أن أكتوبر نصر جماعى، فإنه أيضا يخلد البطولات الفردية النادرة للقادة والجنود والمقاتلين. القادة الذين صنعوا واحدة من أكبر خطط الخداع الاستراتيجى فى التاريخ، حتى يباغتوا العدو. والمقاتلون الذين صنع كل واحد منهم بطولات استثنائية، يجب أن لا تنزوى وراء إهمال أو تراخٍ أو سوء تقدير. عاش نصر أكتوبر العظيم 41 عاما، وسيعيش آلاف السنوات القادمة، نموذجًا وملهمًا ووطنًا نسكن فيه ونشاهد بطولاته، فتقشعرّ الأبدان، وتنساب فى الذاكرة عظمة الذين قاتلوا، والذين قاموا، والذين صمدوا، والذين سالت دماؤهم على الرمال، لتعلن ميلاد شهيد جديد. فلنجعل أكتوبر منهج حياة، لعل النصر لا يفارقنا أبدًا. 41 عاما على الملحمة العسكرية رغم مرور 41 عاما على الملحمة العسكرية، المعروفة باسم حرب أكتوبر، يظل عديد من تفاصيل المعركة الحربية الأكبر فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى خفيا وغير مرئى، وكأن هناك من لا يعرف أهمية أن تظل وقائع وكواليس هذه الحرب لامعة ومضيئة فى ذاكرة الشعب. هكذا تبدو الأهمية الكبيرة لهذا الكتاب «مصر فى قلب المعركة.. من وثائق حرب أكتوبر فى الأرشيف المصرى» الذى أصدرته دار الكتب والوثائق القومية فى الذكرى الأربعين للحرب، وقد حرره د.عبد الواحد النبوى رئيس دار الوثائق السابق، وبتصدير من د.صابر عرب وزير الثقافة السابق، وذلك لأنه يكشف عن وثائق نادرة وشديدة الأهمية تكشف جزءا من كيفية استعداد مصر للحرب، وصولا إلى أيام الحرب نفسها وما بعدها. ينقسم الكتاب الضخم -نحو 600 صفحة من القطع الكبير- إلى ثلاثة أقسام، الأولى مرحلة إعداد الدول للحرب، والثانى أيام الحرب، والثالث مرحلة ما بعد الحرب، واستعراض هذه الوثائق يؤكد بوضوح أن مصر كانت تخوض الحرب على كل الخطوط والمستويات، وأن مرحلة الاستعداد لما قبل الحرب لم تقل خطورة وأهمية عن مرحلة الحرب نفسها ومعالجة تداعياتها وآثارها. ويبدو واضحا ورغم الهزة العنيفة التى تسببت فيها نكسة يونيو فإن الدولة المصرية بدأت الاستعداد للحرب فى اليوم التالى مباشرة لهزيمة 1967، وبحسب الكتاب فإن هناك منشورا عاما من وزارة الخزانة صادرا فى 7 يونيو 1967، أى بعد يومين فقط من الهزيمة يقضى ب«تزويد القوات المسلحة ووزارة الإنتاج الخربى وفروعهما بكل ما يقع عليه الاختيار من موجودات المخازن وذلك دون ثمن»، فى إشارة واضحة إلى تجييش كل إمكانيات الدولة استعدادا لحرب قادمة لا محالة. جيل جديد ويبدو واضحا أن المشكلة الرئيسية التى كانت تواجه مصر فى ذلك الوقت هى تدريب جيل جديد من المقاتلين على الحرب الحديثة بأقل تكلفة ممكنة، وهذا ما تكشفه هذه الوثيقة المؤرخة فى 25 سبتمبر 1968 وموقعة من وزير الشباب آنذاك د.محمد صفى الدين أبو العز، وفيها تخفيض لميزانية التدريب داخل المعسكرات للمرحلة الثانوية للطلاب من 4.4 مليون جنيه إلى 1.3 مليون جنيه. لكن العبء المالى كان يتزايد، فالحرب فى يونيو 1967 كانت خسائرها ليست فقط فى احتلال الأرض أو سقوط شهداء وإنما فى وقوع خسائر مالية لكثير من مواطنى خط القناة، وكان لزاما على الدولة أن تقدم تعويضا ماليا لمن خسر مراكب الصيد أو سيارات النقل والأجرة أو المواشى من المواطنين خلال العدوان، ولم تسارع الدولة لتقديم مثل هذه التعويضات لأصحابها إلا بعد ثلاث سنوات كاملة من الحرب بحسب الوثيقة المؤرخة فى 7 مارس 1970 من وزير الشؤون الاجتماعية حافظ بدوى يطلب فيها من محمد صدقى سليمان وزير الكهرباء والسد العالى ورئيس اللجنة الوزارية لشؤون الاقتصاد بتقديم التعويضات للمتضررين من الحرب بتكلفة إجمالية قدرها 128 ألف جنيه، تركز ثلثاها فى محافظة السويس التى كانت أكثر المحافظات تعرضا للخسائر فى وقت الحرب، إذ بلغ عدد السيارات التى تضررت 114 سيارة و54 لنش صيد و40 رأس ماشية بتكلفة إجمالية 100 ألف جنيه، تلتها محافظة الإسماعيلية ب12 سيارة ومركبين للصيد و35 رأس ماشية بتكلفة 23 ألف جنيه، بينما كانت بورسعيد أقل محافظات القناة تضررا -بحسب الوثيقة- إذ تضرر مركبان للصيد فقط بتكلفة ألفى جنيه. ورغم أن كل الملتحقين بالقوات المسلحة عقب النكسة كانوا يعلمون أنهم فى خدمة حرب، أى أن خدمتهم بالجيش مفتوحة ولن تنتهى إلا بقيام حرب جديدة واسترداد الأرض المحتلة، فإن القرار الجمهورى الخاص باعتبار الخدمة بالقوات المسلحة خدمة حرب اعتبارا من 5 يونيو 1967 صدر فى 18 مايو 1971 بتوقيع الرئيس أنور السادات. الاستعداد للمواجهة ومع اقتراب موعد الحرب بدا واضحا أن الدولة المصرية بدأت فى الاستعداد لمواجهة كل الاحتمالات، هكذا تكشف تلك التقارير التى أعدتها وزارة الصحة عن استعدادات الدولة للحرب لعام 1971/1972، وفيها رصد بأن هناك عجزا فى سيارات الإسعاف يقدر ب255 سيارة، وأن استيراد السيارة الواحدة من رومانيا يتكلف 2200 جنيه، بينما استيراد السيارة الواحدة ماركة «سكودا» «التشيكية» يتكلف 2300 جنيه، ويقابل العجز فى سيارات الإسعاف نقصا أكبر فى عدد سائقى السيارات نفسها، وبلغ عدد النقص فى سائقى سيارات الإسعاف نحو 786 سائقا، تحتاج الوزارة إلى 56592 جنيها لتعيينهم لمدة ستة أشهر بواقع 12 جنيها لكل سائق شهريا. على أن العجز لم يكن فى سائقى سيارات الإسعاف فحسب بل وصل إلى الأطباء أنفسهم، وبحسب بيانات وزارة الصحة فإن إجمالى عدد الأطباء المسجلين فى الوزارة وصل إلى 6500 طبيب، 1450 طبيبا معاونا، و2000 منهم فى القوات المسلحة ما بين مجند ومكلف ومنتسب بالخدمة، و3 آلاف طبيب تحت مسمى «تسلل خارج الجمهورية»، وهم أولئك الأطباء الذين استغلوا سفرهم للخارج فى بعثات وقرروا العمل فى مناطق ابتعاثهم، أى أن أكبر نسبة من الأطباء بنحو ما يقرب من نصف عددهم كانوا يعملون فى الخارج قبل الحرب بعامين فقط! نتائج ذلك كانت مزعجة، إذ إن الوزارة أصبحت تعانى من عجز فى كل التخصصات فما الحل؟ بحسب المذكرة فإن الوزارة اقترحت تأجيل سن التجنيد للأطباء حتى 28 سنة هذا العام فقط (1971)، والسماح للأطباء المجندين والمكلفين بالعمل فى وحدات الوزارة والموافقة على وقف الإعارات لكل الدول حاليا ووضع حد للإعارة أربع سنوات فقط، وصولا إلى الاستعانة بالأطباء المحالين إلى المعاش والمتقاعدين من القوات المسلحة من ذوى الكفاءة والسمعة الطبيبة مقابل مكافآت، مع السماح لهم بالجمع بين معاشهم وتلك المكافآت، وقد أقرت اللجنة فى النهاية بالتنسيق بين وزارتى الصحة والحربية فى ما يتعلق بسن تجنيد الأطباء والسماح للأطباء المجندين بالعمل فى وحدات الوزارة، والموافقة على وقف إعارات الأطباء إلى الخارج ما عدا ليبيا والسعودية (ويبدو أن هذا الاستنثاء جاء لحاجة البلدين الملحة إلى الأطباء، بالإضافة إلى طبيعة الدعم الذى سيقدمانه لمصر لاحقا خلال حرب أكتوبر) مع وضع حد أقصى للإعارات بأربع سنوات، مع الموافقة على الاستعانة بالأطباء المحالين إلى المعاش والمتقاعدين والاستعانة بالأطباء غير الموظفين عن طريق نقابة الأطباء. هذا عن الأطباء أما عن الدواء فالوضع لم يكن يقل خطورة أو صعوبة. فمذكرة أخرى صادرة عن وزارة الصحة عن العام المالى نفسه «1971/1972» رصدت أن المؤسسة المصرية العامة للدواء المختصة بتوفير الأدوية فى الصيدليات لم تحصل على احتياجاتها من العملات الحرة للعام المالى 1970/1971 والمقدرة ب13.3 مليون جنيه، وقد حصلت فقط على 9 ملايين جنيه، أى بعجر يقترب من 4 ملايين جنيه، وذلك حتى 30/6/1970، ورصد التقرير الصادر عن مؤسسة الدواء بأن تبعات ذلك ستكون خطيرة ومتمثلة فى اضطرار المؤسسة تحت ضغط احتياجات الجماهير إلى سحب غالبية الاحتياطى المخزون المخصص لمواجهة الحالة الحاضرة، وأن تصبح المصانع المحلية مهددة بالتوقف عن العمل بكامل طاقتها الإنتاجية، وأن تعجز المؤسسة عن توريد غالبية التوريدات الحكومية على الرغم من القصور الموجود فيها حاليا، والأخطر، نقص بعض أرصدة أصناف الأدوية الأساسية والضرورية للعلاج والمحافظة للحياة كأدوية النزيف والجلطة والسكر والقلب والتخدير والخيوط الجراحية. توفير الدم الاستعداد للحرب شمل أيضا توفير فائض من الدم لسد عجز متوقع وقت الحرب فما الخطة؟ بحسب مذكرة وزارة الصحة فإنه رغم إنشاء بنوك ومراكز للدم فإن معظمها لا يحصل على رصيد من الدم يكفى حتى الاستهلاك العادى، وتخلو هذه البنوك إلا من الكميات القليلة من الدم التى تم الحصول عليها من المتطوعين المحترفين ومن السجون بالأجر النقدى والحافز العينى «هذا طريقة مبتكرة رغم الجدل حول تماشيها مع حقوق الإنسان للحصول على الدم»، وهكذا وصل العجز إلى 22 ألف زجاجة دم يلزم للتبرع بها نحو 44 ألف شخص فما الحل؟ اقترحت وزارة الصحة أن تقوم لجان الاتحاد الاشتراكى بجميع أنحاء الجمهورية بتنشيط الدعوة بين المواطنين للتبرع بكميات من الدم، والموافقة على اعتماد مبلغ 100 ألف جنيه كحوافز عينية أو نقدية للمتبرعين. الاستعداد للحرب المرتقبة استوجب تقشفا شديدا فى موازنة الدولة فى العام المالى 1971/1972، حيث تم تخفيضها بمقدار 20 مليون جنيه مقتطعة من ميزانية كل وزارة، ما أدى إلى تأجيل تنفيذ عدد من المشروعات التى تبدو شديدة الأهمية مثل خصم 100 ألف جنيه من مشروع التوسع فى إنتاج المراجل البخارية، و136 ألف جنيه من مشروع مجمع الحديد والصلب، و83 ألف جنيه من مشروع مجمع الحديد والصلب، و100 ألف جنيه من مشروعات هيئة السكك الحديدية، من بينها تجديد وحدات جر وتجديد أنفاق وكبار وتحسين الإشارات وكهربة إشارات القاهرة قليوب، بالإضافة إلى 200 ألف جنيه من مشروعات مياه الريف بالمحافظات. الإسكان تستعد للطوارئ هكذا كانت الاستعدادات قبل الحرب دقيقة وتشمل كل التفصيلات، أما الوثائق الأخرى المتعلقة بوقت الحرب نفسه فلا تقل أهمية. فهناك هذا القرار الصادر من وزير الإسكان بتكليف بعض الشركات بتنفيذ أعمال الإنقاذ والإصلاح الفورى وقت الطوارئ، والقرار الصادر بتوقيع د.محمود أمين عبد الحافظ وزير الإسكان وقتها بتاريخ 6 أكتوبر -أى يوم الحرب نفسه- يكشف عن استعداد الدولة حينها لمعالجة أى رد فعل إسرائيلى عنيف قد يطول البلاد فى العمق، إذ إن القرار كلف عديدا من الشركات من بينها «شركة مصر لأعمال الأسمنت المسلح وشركة النيل العامة وشركة النصر للمبانى وشركة المحمودية للمقاولات» بتنفيذ أعمال الإصلاح وقت الطوارئ فى القاهرة والإسكندرية ومحافظات القناة والوجه البحرى والقبلى، على أن تختص شركة المقاولون العرب والنيل للكبارى بإصلاح كبارى القاهرة الكبرى فى حالة تعرضها لضرر. والقرار يكشف جاهزية الدولة لأى هجوم عدوانى إسرائيلى متوقع. أما الوثيقة الثانية فهى صادرة أيضا بتاريخ السادس من أكتوبر وموقعة باسم الحاكم العسكرى للإسماعيلية، وفيها قرار بتعطيل الدراسة بجميع مدارس المحافظة اعتبارا من يوم الأحد 7 أكتوبر 1973، وإخلاء من أربع إلى خمس غرف فى كل مدرسة، وإخلاء مدرستى التل الكبير الإعدادية والابتدائية وتحويلهما إلى مستشفيات للطوارئ تحت إشراف وزارة الصحة، وواضح قطعا من طبيعة القرار أن إخلاء المدارس جاء لاستقبال الجرحى والمصابين بسبب الحرب. أما الوثيقة الثالثة فتكشف كيف كانت مصر تعانى خلال الحرب من أزمة توفير الوقود اللازم لتسيير السيارات، وبالتالى نقل البضائع، إذا نص الأمر العسكرى الصادر من محافظ القليوبية فى التاسع من أكتوبر على تحديد حالات تسمى بحالات الضرورة يسمح فيها لسيارات النقل بالحركة، وهذه الحالات هى تنفيذ تعاقدات مع القوات المسلحة ونقل مواد التموين وتسويق القطن «شهر أكتوبر من كل عام هو وقت جنى محصول القطن فى الريف»، على أن تصرف لكل سيارة تقوم بإحدى هذه المهام 2000 لتر سولار أو 3000 لتر بنزين شهريا، على أن تقدم الجهة المالكة للسيارة بيانا كل 15 يوما إلى الجهات المختصة يكشف خط السير. محافظة بورسعيد باعتبارها من خطوط المواجهة فى الحرب فقد صدر قرار –بحسب ما تكشفه إحدى الوثائق- فى 11 أكتوبر 1973 بحظر التجوال فى كامل المحافظة يوميا بدءا من السابعة مساء حتى الخامسة والنصف صباحا. أما الوثيقة التالية فهى تكشف عن قرار جمهورى بتوقيع الرئيس السادات صادر فى 12 أكتوبر 1973 بفرض «ضريبة جهاد» على إيرادات رؤوس الأموال المنقولة والأرباح التجارية والصناعية وكسب العمل لمواجهة أعباء الحرب، وتم تقدير هذه الضريبة بنسبة 2.5%، ومن الواضح أن هذه الضريبة كانت مقررة من قبل، إلا أن الرئيس السادات فضل إصدار قرار بها خلال أيام الحرب التى يلتف فيها الجميع حول الوطن، ويكونون فيه على استعداد تحمل أى أعباء إضافية، ويبدو ذلك متسقا مع ما تكشفه وثيقة أخرى عن اجتماع مجلس الوزراء فى الخامس من أكتوبر -أى قبل بدء الحرب بيوم واحد- وفيه توصية بضرورة فرض ضريبة حرب، وهو ما تحقق بالفعل عقب هذا الاجتماع بأسبوع، فى الوثيقة نفسها تم طرح فكرة طرح سندات جهاد داخليا وخارجيا لمواجهة العجز المالى فى تمويل الحرب فى اجتماع مجلس الوزراء يوم السابع من أكتوبر، وفى جلسة 13 أكتوبر تم إقرار طرح هذه السندات للدول العربية والإفريقية، على أن تبدأ باكتتاب قيمته 50 مليون جنيه، ويبدو أن الفكرة رغم وجاهتها لم تحقق الغرض المطلوب، إذ تغفل الوثائق الحديثة عن أى نتائج لها. الحشد الإعلامي وفى اجتماع مجلس الوزراء فى يوم الخامس من أكتوبر أصدر مجلس الوزراء قرارا بوقف استخدام العربات 8 سلندر باستثناء عربات اللورى والأوتوبيس، وفى اجتماع السابع من أكتوبر بدأ الحشد الإعلامى فى تصاعد درامى مثير، إذ طالب مجلس الوزراء بضرورة اتسام البيانات العسكرية المصرية بالحقيقة، فى محاولة واضحة لمحو كارثة البيانات العسكرية الكاذبة التى صدرت خلال حرب يونيو 1967، بالإضافة إلى دعوة أجهزة الإعلام للتعبير عن مظاهر الاعتزاز بنجاج الجيش المصرى، وشرح عملية العبور وإبراز ضخامتها وإظهار صعوبة اقتحام خط بارليف. فى اجتماع مجلس الوزراء يوم 11 أكتوبر تطور الموقف إلى «ضرورة إبراز دور السعودية والملك حسن إعلاميا والتقليل من نشر صور الأسرى»، ولا توضح الوثيقة الغرض من ذلك، لكن يبدو أن هذا كان ضمن الحرب المعنوية التى توازت مع الحرب الدائرة فى سيناء، وربما بغرض الإشارة، إلا أن عدد القتلى الإسرائيليين أكثر من عدد القتلى، وهو ما يعطى تأثيرا نفسيا سلبيا على الجندى الإسرائيلى. وتكشف الوثائق وتحديدا محضر اجتماع مجلس الوزراء فى 11 و12 أكتوبر، أن ليبيا تحولت إلى المطار والميناء الرسمى لمصر خلال أيام الحرب، إذ إن محضر جلسة 11 أكتوبر يقر بأن «الطائرات المدنية والسفن المصرية يتم تشغيلها من ليبيا»، أما محضر جلسة 12 أكتوبر فيقر بضرورة «مطالبة الجانب الليبى بالوفاء بالتزامه بالنسبة إلى توفير عربات النقل المتفق عليها لشحن البضائع من ليبيا إلى مصر، وإرسال باخرة لإحضار المصريين العائدين من الخارج عن طريق ليبيا ومحاولة تخصيص مبلغ لهم لتسهيل عودتهم». على أن واحدة من أهم الوثائق التى يضمها الكتاب هى تلك التى يرصد فيها محضر اجتماع مجلس الوزراء يومى 21 و25 أكتوبر عام 1973 وهى محاضر الاجتماعات التى تكشف تفاصيل الموقف العسكرى والسياسى والاقتصادى والدولى لمجريات الحرب فى هذه الفترة.