لم نتماد كثيرا فى رصد توازنات القوى بين تيارات الإسلام السياسى والمجلس العسكرى، فلم تذهب معظم التوقعات أبعد من كون الإخوان والسلفيين سيرضون بالسيطرة على المجالس التشريعية وبعض الوزارات، تاركين للمجلس العسكرى الأجهزة الأمنية والإعلام ورئاسة الجمهورية، ولم يُطرَح السؤال، ثم ماذا؟ أعتقد أن هذا السؤال لا بد أن يُطرح الآن. وأعتقد، كإجابة من وجهة نظرى، أن الرئيس المقبل التابع للمجلس العسكرى سوف يقوم بإنشاء حزب سياسى جديد فى لحظة محددة، مثلا بعد إحداث حالة من حالات توازن الضعف بين القوى السياسية المنهكة فى تناحر بينى وتمرير إحساس لدى الناس باللا جدوى من ورائها جميعا. بصرف النظر عن إمكانيات نجاحه، أعتقد أن هذا السيناريو يجب أن يوضع على مائدة البحث. فما يجعله الأكثر احتمالا أنه ربما يعد -من زاوية مصلحة النظام- المخرج الأكثر أمانا، فهذا الحزب سيكون بمثابة الذراع السياسية الجديدة للنظام. وكتكملة لهذا السيناريو، سيقوم الرئيس ومعه حزب السلطة هذا -على الطريقة الروسية- بعمل التحالفات اللازمة لإزاحة الإخوان عن الصدارة. وأعتقد -وفق توقع محدد- أن هناك العديد من العوامل التى ستتجمع لإنجاح مثل هذا المخطط، وأهم تلك العوامل هو دفع الأحداث على الأرض فى اتجاه تآكل شعبية الإخوان. بكل تأكيد، إن حدود التفاهمات بين المجلس والإخوان فى حد ذاتها ستكون هى أول العوامل التى قد تؤدى إلى تآكل شعبية الإخوان أيا كانت حجج الإخوان، فأولا سيشكل الإخوان الحكومة، ولكن يدهم لن تطلق فى إدارة شؤون البلد على هواهم بسبب وجود مؤسسة الرئاسة والأجهزة الأمنية التابعة لها، ثانيا قد يتورط الإخوان ومعهم السلفيون فى محاولة قمع القوى الثورية، باعتبار أن الشرعية الوحيدة يجب أن تكون للبرلمان. ثالثا، وعوضا عن قيامهم بتقديم امتيازات اجتماعية كبيرة بالذات للطبقات الفقيرة عن طريق شكل من أشكال إعادة توزيع الثروة مثلا، قد يطالب الإخوان فى إدارة الشأن الاقتصادى بإجراءات تقشفية قد تكون ضرورية من وجهة نظرهم، وأخيرا قد يتمادى الإخوان فى تحدى القوى الليبرالية واليسارية أو المسيحيين أو قمع الحريات تحت تأثير المزايدة السلفية. التيارات السلفية من ناحية أخرى لا يمكن لها أن تحل محل الإخوان على الإطلاق. صحيح أن انتشارها كان خصما من رصيد الإخوان، إلا أن ظهورها الآن فى مصر مرتبط بنجاح الإخوان، حتى إن انتشارها قد يعد بطريق أو بآخر تحفظا شعبويا على أداء الإخوان. إنهم البساطة والبدائية فى مواجهة التعقد ومحاولات العصرنة الذين يميزان أداء الإخوان. الليبراليون واليساريون مع أنهم الأقرب إلى القوى الثورية، ومع أنهم قد تلقوا العديد من الضربات والكثير من حملات التشويه، فإنهم استطاعوا الصمود، بل حققوا الكثير من الإنجازات المبهرة. فهى المرة الأولى التى يوجد فيها الليبراليون فى الشارع دون حماية من سلطة حاكمة. مع أن هذين التيارين قد فشلا فى تكوين جبهة انتخابية موحدة، فإنهما ما زالا يتصرفان ككتلة سياسية، ولقد أصبحت تلك الكتلة رقما فى المعادلة لا يمكن تجاوزه. المجلس العسكرى، على الناحية الأخرى، كممثل للمؤسسة العسكرية لم يكن أبدا بعيدا عن السياسة، إنما هو فقط جناح النظام المتوارى دائما. والجيش كشركة رأسمالية متعددة النشاط له وجوده الفعال فى كل مناحى الاقتصاد. بهذه الخلفية وحتى الآن استطاع المجلس العسكرى ومعه الأجهزة الأمنية والإعلام ومعها القضاء والجامعات، الحفاظ على النظام. وساعدهم على ذلك بشكل مباشر جهاز الدولة الإدارى المسيطر على الحكومة وقطاع الأعمال العام، وهو قطاع كفيل بتسيير كل أمور الدولة شهورا بما يحتويه من تكنوقراطيين وبيروقراطيين فى شكل مساعدى ومستشارى الوزراء ورجال الإدارة العليا فى كل وزارة. يرتبط بهذا الجهاز العملاق جزء كبير من القطاع الخاص العامل فى قطاعات التوريدات والمقاولات والصيانة وغيرها. سيراقب المجلس العسكرى عن كثب كل التطورات وسوف يحاول تغذية واستثمار أى تناقضات ممكنة بين القوى السياسية وبعضها، وكذلك فى ما بين بعضها والقوى الثورية. حتى الأمور الدينية الفقهية لن تمر أبدا بسهولة، خصوصا إذا دخل الأزهر على الخط كهيئة تحاول الاستقلال ولا تخلو من ميل ليبرالى واضح، وسيبادر بتأويل أى شىء فى اتجاه أن الجميع ضد الجميع.