لا أحد يراجع «البطاقة الصفراء» التى تثبت تلقى القادمين من الدول الإفريقية التطعيمات سافرت إلى إثيوبيا عام 2012 قبل أن أسافر، ذهبت إلى المركز الطبى الحكومى التابع لمنطقتى، واستفسرت عن التطعيمات الواجب أخذها قبل السفر إلى إثيوبيا، وهناك تم تطعيمى ضد الكوليرا والحمى الشوكية والحمى الصفراء، وهى الأمراض المتوطنة فى البلد الذى أنا ذاهب إليه. هناك أيضا الملاريا التى تحتاج إلى تعاطى أقراص بصفة يومية للوقاية منها، ولكنى لم أفعل لأن وباء الملاريا مقتصر على المناطق خارج أديس أبابا، ولم أكن أنوى الذهاب إلى تلك المناطق. حصلت على دفتر أصفر صغير مدوَّن به أننى حصلت على تطعيمات ضد الأمراض الثلاثة المذكورة، مع تواريخ تبيِّن تواريخ انتهاء صلاحية كل تطعيم، أو بمعنى آخر التواريخ التى سأصبح فيها غير محصن مرة أخرى. هذا الدفتر الأصفر من المفروض أن أبرزه لمسؤولى المطار عند عودتى إلى القاهرة، وإذا لم أفعل عليهم أن يطبقوا علىّ إجراءات الحجر الصحى حتى يتبين أننى غير مصاب بأى من هذه الأوبئة. لكن ما حدث فعليا هو أن أحدا لم يسألنى عن الدفتر! أتيت وخرجت من المطار دون أن يهتم أحد بكونى حاملا لأى وباء أم لا، على الرغم من كونى قادما من دولة موبوءة بعدة أوبئة ويتطلب الذهاب إليها أولا تعاطى بعض التطعيمات. كل ما أهتم به رجل الأمن الذى يقف على بوابة الخروج هو استجوابى بخصوص المكان الذى أتيت منه وماذا يوجد فى حقيبتى، ليطمئن أنه ليس معى ما يستحق دفع رسوم جمركية. تنص إجراءات قانون الحجر الصحى فى مصر بخصوص كل من الحمى الصفراء والكوليرا أنه «يتم مناظرة القادمين وعزل الحالات المشتبه بها، وفى حالة عدم الاشتباه يتم إعطاء القادمين جرعة من المضاد الحيوى المناسب كوقاية، ويتم متابعتهم صحيا بمحل إقامتهم عن طريق مكاتب الصحة التابعين لها لمدة خمسة أيام». هل يحدث هذا فعلا على الأرض؟ حسبما رأيت: لا. لماذا أكتب هذا الكلام الآن؟ بسبب «الإيبولا» التى تنتظرنا. هذا المرض المرعب الذى يؤدى بالإنسان إلى النزف من عينيه وأذنيه وباقى فتحات جسده، ويؤدى إلى الوفاة فى نسبة تصل إلى 90% من الحالات. «الإيبولا» صار على عتبات أبوابنا، بعد أن قتل ما يزيد على ألف شخص خلال الفترة القصيرة الماضية فى كل من غينيا وليبيريا وسيراليون، وهى دول ليست بعيدة جدا عنا، لكن المشكلة الحقيقية ليست فى القادمين من هذه الدول، بل من القادمين من السعودية. تستقبل السعودية شهريا نحو 400 ألف شخص من كل أنحاء العالم، لأداء مناسك العمرة وزيارة الأماكن الدينية (يصل هذا العدد إلى 800 ألف شخص فى رمضان). فى السعودية أيضا أكبر عدد من المصريين المغتربين، الذى يقترب عددهم من مليون مصرى، يأتى كثير جدا منهم إلى مصر لقضاء إجازات الصيف مع ذويهم. إن احتمال أن يأتى المرض مع أحد المعتمرين الأفارقة إلى السعودية، ثم ينتقل منها عن طريق أحد المصريين القادمين إلى مصر هو احتمال كبير جدا ووارد جدا، فماذا فعلت السلطات الصحية فى بلادنا لتجنب هذا الأمر؟ د.أحمد خالد توفيق: هجمة الفيروس الأعنف تاريخيًّا.. ولو كان معى «عقار القرود» لاستخدمته أستاذ طب المناطق الحارة: كل الأوبئة تتحرك حسب ساعة بيولوجية.. وأخشى أن تدفع إفريقيا الثمن وحدها حوار: محمد هشام عبيه تبدو العلاقة التى تجمع بين د.أحمد خالد توفيق، وفيروس «إيبولا» علاقة لافتة، فبحكم كونه روائيا فقد أصدر فى مطلع يناير الماضى رواية بعنون «إنهم يكذبون» -الإصدار رقم 48 من سلسلة سافارى- يقوم فيها بطل الرواية الطبيب علاء عبد العظيم بمحاولة فك أسرار وباء اجتاح عدة بلدان فى الكاميرون، سيعرفون فى ما بعد أنه حمى «لاسا» النزفية، الذى لم يظهر من قبل فى الكاميرون -حيث تدور أحداث الرواية- لكنه موجود فى غرب إفريقيا كله. وحسب ما ذكر فى الرواية فإن «لاسا» الذى يشبه جدا فى أعراضه وتأثيره القاتل «إيبولا» متوطن فى غرب إفريقيا ويقتل ستة آلاف شخص كل عام. عندما تذكر كلمة (سيراليون) فأنت تتكلم عن حمى «لاسا».. بعد هذا تأتى نيجيريا.. حتى اسم «لاسا» نفسه مشتق من اسم بلدة فى نيجيريا، حيث وصف المرض أول مرة عام 1969. لكن علاقة د.توفيق ب«إيبولا» لا تتوقف عند التماس الروائى، وإنما تتعلق بحكم تخصصه الطبى، كونه أستاذ طب المناطق الحارة فى جامعة طنطا، وهو التخصص الطبى الذى يهتم بالصحة العامة للمجتمع فى المناطق الحارة والاستوائية المهيأة لظهور الأوبئة والأمراض مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة، هكذا يبدو الحوار مع د.توفيق عن «إيبولا» شديد الأهمية. ■ لماذا عاد وباء «إيبولا» بهذه القوة؟ - كل الأوبئة لها صحوات وتتحرك حسب ساعة بيولوجية معقدة يعرفها علماء الأوبئة.. وهى تتوارى فى الحيوانات لأعوام ثم تعود. النقطة الأخرى هى أن سكان غرب إفريقيا غير مستعدين للحميات النزفية وغير مدربين عليها، كما الحال فى وسط إفريقيا. يقال كذلك إنهم ميالون للترحال عن غيرهم، لذا انتقل المرض بسرعة مخيفة. ■ لماذا يظهر الوباء فى إفريقيا؟ - هو متوطن فيها ووصف أول مرة فى السودان والكونغو. اسم الوباء نفسه اسم نهر فى الكونغو. ■ ما الذى يختلف عن ظهور الوباء هذه المرة وقبل ذلك؟ - هذه أعنف هجمة ممكنة فى التاريخ. لم يكن بهذه الشراسة من قبل، وكما قلنا فإن أسباب ذلك تتعلق بطبيعة السكان فى البلدان الإفريقية التى ظهر فيها الوباء. ■ ما إمكانية انتقاله إلى دول أخرى غير إفريقية؟ - عالية جدا طبعا مع رحلات الطيران. المرض لا ينتقل فى أثناء فترة الحضانة التى تستمر من 5-15 يوما لحسن الحظ، لكنه ينتقل مع ظهور أول عرض. وأول عرض يشبه الإنفلونزا. لا بد من مراقبة أى شخص قادم من غرب إفريقيا، لكن لو لم تكن الأعراض واضحة عليه فقد يفلت. على كل حال سوف تكون السيطرة سهلة كالعادة فى دول الغرب، بينما نقع نحن فى قبضة سيد حبارة وبسطويسى. ■ ما إمكانية انتقاله إلى مصر؟ وكيف يمكن مواجهة ذلك؟ - نفس الإجابة.. عزل أى شخص قادم من غرب إفريقيا ولديه أعراض مرضية أو إنفلونزا أو استعداد للنزف. الموضوع لا يتحمل الهزار أو الاستسهال. ■ ما أخلاقية تجربة دواء «زيماب» الذى أنتجته شركة «ماب فراما» الأمريكية وهو لم يجرب من قبل على البشر وإنما على القرود فحسب؟ - لا وقت لهذا الترف.. واضح أن العلاج فعال حقا.... تذكر أن أول من تمت تجربة العقار عليه هما مواطنان أمريكيان، وقد شفيا.. والعلاج بالأجسام المضادة وحيدة الخلية معروف منذ زمن.. على كل حال أمريكا لم تتخذ القرار النهائى بعد. لكن لو كان العقار معى لاستعملته. هناك أدوية أخرى هى مستقبلات الإستروجين وقد أظهرت نجاحا لا بأس به فى القرود. ■ هل هناك يد خفية من شركات الأدوية تلعب فى الموضوع إجمالا؟ - لا علم لى بهذا. الفيروس حقيقى وخطر وقاتل.. لن نعود لهستيريا إنفلونزا الخنازير ثانية. لكن سوف تجد من يقول لك إن أسهم شركة «ماب فارمسيوتيكالز» ارتفعت جدا.. بالتأكيد سيقال هذا لكنى بعيد عن اللعبة فلا أعرف بالضبط.