إعداد: د. مروة نظير (وحدة البحوث السياسية بجريدة التحرير) شهدت الأيام الماضية عددا من التطورات المتلاحقة فى الملف العراقى، التى يرى كثيرون أنها مفاجئة على نحو كبير، فى حين يؤكد آخرون أنها كانت متوقعة إلا أنها تحققت على نحو أسرع من مختلف التقديرات، وترتبط تلك التطورات بشكل أساسى بالعمليات الميدانية ومواقف القوى المعنية على أرض المعركة، فضلًا عن التبعات الإقليمية المترتبة على تلك التطورات. التقدم المفاجئ ل«داعش» تشير التقارير الميدانية إلى أن الأيام الماضية شهدت تواتر الاشتباكات المتواصلة بين قوات البيشمركة الكردية ومسلحى تنظيم داعش، ودارت الاشتباكات فى ثلاثة محاور رئيسية، هى: - محور سنجار، يقع هذا المحور جنوب محافظة دهوك وغربى الموصل. لهذا المحور أهمية استراتيجية بالغة إذ يشكل الحد الفاصل بين مدينة الموصل والحدود العراقية - السورية. - ناحية زمار الواقعة غرب الموصل وجنوب محافظة دهوك. هذه المنطقة مهمة لكونها تقع على خط الإمداد بين عناصر داعش فى سورياوالعراق، ولقربها من مطار تلعفر العسكرى الذى تحاول القوات العراقية استعادة السيطرة عليه من تنظيم داعش. - منطقة كوك جلى التى تقع شرق الموصل وغرب أربيل. تعد هذه المنطقة مفصلية وهى تشهد اشتباكات بين قوات البيشمركة و«داعش» الذى يسعى إلى السيطرة عليها لتسهيل طريقه نحو أربيل. وقد تمكن مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية من تحقيق عدد من النجاحات الملفتة فى هذه الاشتباكات، مما أسفر عن سيطرتهم على أكبر سد فى العراق وعلى حقل نفطى وثلاث بلدات بعد أن كبدوا القوات الكردية أول هزيمة كبرى منذ اجتياح التنظيم للمنطقة فى يونيو الماضى. كما سيطر مسلحو «داعش» على قضاء تلكيف شمال الموصل بعد أن انسحبت قوات البيشمركة منه من دون تدخل عسكرى، كما سيطر التنظيم أيضا على حقل عين زالة النفطى ليضيفه إلى أربعة حقول سيطر عليها بالفعل إلى جانب ثلاث بلدات. دلالات بالنسبة إلى الداخل العراقى: يمكن ملاحظة الدلالات والتداعيات المباشرة لهذه التطورات الميدانية الأخيرة فى ما يتعلق بعدد من القضايا تخص الداخل العراقى، لعل أبرزها ما أثارته هذه التطورات من شكوك حول مدى كفاءة مقاتلى الأكراد «قوات البيشمركة»، لا سيما أن «قوات البيشمركة انسحبت بالكامل من ناحيتى كرتازرك وملا خضر جنوب سنجار بعد أن هجم مسلحو داعش على مواقعهم. فى ما تعد ثانى حادثة انسحاب لقوات البيشمركة من المدن التى فرضت سيطرتها عليها، بعد انسحابها من منطقة زمار الغنية بالنفط. إذ يعد انسحاب القوات الكردية من المناطق التى استماتوا للسيطرة عليها صدمة كبيرة، خصوصا أن الأكراد انتقدوا كثيرا الجيش العراقى لانسحابه من الموصل فى التاسع من يونيو الماضى». ويرى محللون أن هزيمة الأكراد نتيجة طبيعية لأن تنظيم الدولة الإسلامية مدرب على حرب شوارع، الأمر الذى تفتقد إليه قوات البيشمركة»، بينما اعتبر بعض المراقبين أن انسحاب البيشمركة جاء لحماية المدنيين فى تلك المناطق من التعرض لمذابح كبيرة على يد قوات داعش. وأكدت أطراف أخرى أن هذا الانسحاب هو عملية تكتيكية من أجل الضغط على الولاياتالمتحدة لتزويد الأكراد بالسلاح الذى يشترونه حاليا من السوق السوداء. وبعث إقليم كردستان فى الآونة الأخيرة بعدة وفود إلى واشنطن لطلب السلاح الثقيل لمواجهة الجهاديين، لكن ذلك لا يمكن أن يحصل دون موافقة بغداد. وكان الإقليم قد شكل عقبة كبيرة أمام بغداد بعد رفض أربيل بشدة صفقة تجهيز العراق بطائرات «إف 16» الأمريكية، التى تواصل واشنطن تأجيل تسليمها إلى بغداد على الرغم من دفع كامل ثمنها. أما ثانى الدلالات فترتبط بتزايد الضغط على القادة العراقيين لتشكيل حكومة لتقاسم السلطة تكون قادرة على صد تقدم قوات داعش. وهو ما يثير كذلك مسألة وجود تنسيق عسكرى بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان عبر الدعم الجوى. والذى يأمل كثيرون فى أن يشكل بداية كى تعود المياه إلى مجاريها بين أربيل وبغداد، وتكون بداية لانفراج سياسى وإنهاء هذه الحالة الأمنية المتداعية. تفجيرات مقدسات الشيعة نجحت فى تأجيج العنف الطائفى إلى مستوى لم يشهده العراق منذ أحداث عامى 2006 و2007 وترتبط ثالث هذه الدلالات بالوضع الطائفى فى العراق، فمن الواضح أن تنظيم داعش السنى الجهادى، يعمل على تأجيج الخلافات الطائفية فى العراق عبر الخطوط المختلفة للتقسيم فى هذا السياق. حيث فجر التنظيم مساجد شيعية وأضرحة فى الأراضى التى سيطر عليها ليؤجج العنف الطائفى إلى مستوى لم يشهده العراق منذ أحداث عامى 2006 و2007. فعلى سبيل المثال قام المسلحون الذين استخدموا سيارات عسكرية استولوا عليها فى مدينة الموصل، بتفجير مرقد السيدة زينب فى سنجار. فضلًا عن الانتهاكات التى مورست بحق الأقليات الدينية الأخرى فى العراق، كالمسيحيين الذى جرى تهجيرهم من الموصل، والأيزيديين الذين يشكلون 70% من سكان قضاء سنجار، البالغ عددهم 24 ألف نسمة. والأيزيدية مزيج من ديانات عدة مثل اليهودية والمسيحية والإسلام والمانوية والصابئة. ويرى مراقبون أن التحركات الميدانية للقوى المختلفة ترتبط بالتقسيم الطائفى للسكان، فهدف البيشمركة هو التقدم باتجاه الموصل، فى محاولة لوقف تقدم «داعش» باتجاه حدود إقليم كردستان، استنادا إلى عامل مهم يدعم تقدمهم، هو أن غالبية السكان فى زمار وسنجار وكوك جلى والحمدانية من المسيحيين والكرد والأيزيديين، مما يشكل حاضنة للبيشمركة. على الخط المقابل فإن بعض قرى ربيعة والأطراف الجنوبية والجنوبية الشرقية والغربية للموصل هى من العشائر العربية، لذا فإن سكان هذه المناطق لا يشكلون حاضنة لدخول قوات البيشمركة إلى مدنهم. دلالات إقليمية تؤدى تشابكات الأوضاع فى هذه المنطقة من الشرق الأوسط إلى التأثير المتبادل للأحداث المختلفة بين هذه الدول، لا سيما تلك التى تشترك فى مناطق حدودية. وفى هذا السياق يفرض التداخل بين الملفين السورى والعراقى نفسه على رؤى وتحليلات المتابعين لشؤون المنطقة، إذ تشير التطورات الميدانية إلى أن قوات داعش تضع أنظارها على بلدات استراتيجية قرب حقول نفطية وعلى الحدود مع سوريا، بحيث يمكن لمقاتليه التحرك بسهولة وجلب الإمدادات، وهذا ما تجلى مع استيلاء تنظيم «داعش» الأحد على قضاء سنجار الواقع قرب الحدود العراقية السورية بعد انسحاب قوات البيشمركة الكردية التى كانت تسيطر عليه، مما أدى إلى نزوح جماعى للسكان. من ناحية أخرى، تبرز اتهامات لعدد من القوى الإقليمية بالتورط فى المساهمة فى الوضع. فبعض رموز الوسط السنى يتهمون إيران بالضلوع فى ما يحدث الآن فى الموصل وفى تكريت والأنبار. فى حين أن المجتمع السياسى الشيعى يذهب إلى اتهام تركيا بالضلوع فى تقديم خدمات لوجيستية للمتطرفين سواء فى جبهة النصرة أو فى ما يسمى «داعش». إذن هناك اتهامات لكثير من الأطراف، كما اتهم المالكى أيضا أربيل بأنها أصبحت عاصمة تضم «داعش» وتضم البعثيين وغيرهم. من ناحية ثالثة، تشير بعض التقديرات إلى تغير موازين القوى الإقليمية، خصوصا مع التقارير التى تؤكد أن العراق تسلم على شكل دفعات متتالية 24 طائرة حربية متطورة من روسيا بمشاركة خبراء وفنيين روس قاموا بتدريب منتسبى طيران الجيش على التعامل مع هذه الطائرات للتعامل مع قوات تنظيم داعش تمهيدًا لتحرير الأراضى التى يسيطر عليها.