نحن بحاجة إلى الخلافات أحيانًا لمعرفة ما يُخفيه الآخرون فى قلوبهم، قد تجد ما يجعلك فى ذهول وقد تجد ما تنحنى له احترامًا، وليام شكسبير. مرت سنه كاملة وما زال الرفاق حائرون يتساءلون فى جنون، هل هؤلاء هم الإخوان الذين نعرفهم ولبثوا فينا من عمرهم سنين؟ كيف نجحوا فى خداعنا كل هذه المدة الطويلة؟ ومتى تحولوا من كائنات مستكينة إلى وحوش شرسة ترتع وتلعب فى أنهار من الدماء؟ ما سر خصومتهم لكل أنظمة وحكومات المنطقة؟ ما سبب عدائهم للأزهر؟ هل هم فعلًا مغيبون مضلَّلون وفى حاجة إلى حوار وجدال بالتى هى أحسن؟ هل المصالحة وخلق مخرج سياسى هو الحل الأمثل؟ كل هذا الطوفان من الأسئلة وأكثر كان وما زال مثار مناقشات واجتهادات معتبرة من المحللين والكتاب والخبراء. ربما ذلك ليس كافيًا لفهم تعقيدات لغز الإخوان المحيّر. لذلك لزم البحث والتنقيب فى أغوار رسائل الأب المؤسس والعقل المدبر لعلها تضعنا على بداية الدرب لاستجلاء آثار الحقيقة التائهة. سيثير دهشتك دقة تنبؤاته بالأحداث واستشرافه للمستقبل كأنه لا يزال يعيش بين ظهرانينا ويدفعك إلى التساؤل بعمق: مَن هذا الرجل المثير بحق السماء؟ ولأنه لا ينبئك مثل خبير فهو يقول لهم: «أحب أصارحكم بأن دعوتكم ما زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها، ويدركون مراميها وأهدافها، ستلقَى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم الكثير من المشقّات، وسيعترضكم كثير من العقبات، هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات، أما الآن فما زلتم مجهولين، وما زلتم تمهّدون للدعوة، وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد، سيقف جهلة الشعب بحقيقة الإسلام عقبةً فى طريقكم، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين مَن يستغرب فهمكم للإسلام، وينكر عليكم جهادكم فى سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء، وذوو الجاه والسلطان، وستقف فى وجوهكم الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحدّ من نشاطكم، وأن تضع العراقيل فى طريقكم، وسيتذرَّع الغاصبون بكلّ طريق لمناهضتكم، وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون من أجل ذلك بالحكومات الضعيفة، والأخلاق الضعيفة، والأيدى الممتدّة إليهم بالسؤال، وعليكم بالإساءة والعدوان، ويثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات، وظلم الاتهّامات، وسيحاولون أن يلصقوا بكم كلّ نقيصة، وأن يظهروها للناس فى أبشع صورة، معتمدين على قوتهم وسلطانهم، ومعتدين بأموالهم ونفوذهم (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون)، وستدخلون بذلك ولا شك فى دور التجربة والامتحان، فتُسجَنون، وتُعتقَلون، وتُقتَلون، وتُشرَّدون، وتُصادر مصالحكم، وتعطَّل أعمالكم، وتفتَّش بيوتكم، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان (أَحسِبَ الناس أن يُترَكُوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتَنُون)، ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين (يا أيها الذين آمنوا هل أدلُّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم)، (فأيَّدْنا الذين آمنوا على عدوّهم فأصبحوا ظاهرين)، فهل أنتم مصرون على أن تكونوا أنصار الله». حسنًا هذه رسالة فاضحة لكل نيات وعورات هذه الجماعة، بعد أن انكشف المستور عقب خلع الجماعة نقاب التقيّة السياسية. مخطئ من يظن أن الخلاف الدائر الآن هو خلاف سياسى على الشرعية والديمقراطية وإنما هو خلاف عَقَدى قديم بين فسطاطين، فهناك فئة دائما تظن نفسها الطائفة الناجية الموعودة بنصر الله والفتح المبين وما عداها زمرة من الكفار الحاقدين الجهلة. أجزم أن الإخوان فى كامل وعيهم ويعرفون ماذا يفعلون، مؤمنون إيمانا أعمى بصدق وعود وليّهم، وعلى استعداد للتضحية بكل غالٍ ونفيس فإما النصر وإما الشهادة لأنهم مدركون أنها معركة الخلاص الأخيرة التى إما أن تمنحهم أستاذية العالم وإما الفناء.