فى فيلم «إعدام ميت»، للمخرج على عبد الخالق، وقف الجاسوس «منصور مساعد الطوبجى» يتراقص أمام عينى رجال المخابرات المصرية، الواقفون على الشاطئ الغربى لقناة السويس، كانت رقصة واهم أخيرة، ظن أنه فر من القصاص، محتمياً ب «الموساد» و متوشحاً ب «علم الصليب الأحمر» و اتفاقيات تبادل الأسري و ما أن وطأت قدما «منصور» أرض الشاطئ الشرقى للقناة، حتى تلقفه خنجر «الأب» ليطهره من دنس التفريط و رجس العمالة . فلاش باك! ( لقد مَنّ الله على جماعة الإخوان بأن قيض لهم وزارة كاملة الداخلية- بكل من فيها من قيادات و جند مسخرون لتربية الإخوان تربية جهادية، عبر سجون و تحقيقات و تعذيب) . كان المرشد العام الرابع للتنظيم محمد حامد أبو النصر، يجلس فى مكتبه العتيق الواسع بناصية شارع التوفيقية بوسط القاهرة مطلع تسعينات القرن الماضي، يردد هذه الكلمات كلما أتاه تقرير عن حملة اعتقالات لأعضاء التنظيم فى محافظة من المحافظات . هذه الكلمات هى التتر فى فيلم التنظيم متعدد الأجزائه و الذى بدأ عرض أولى أجزاءه عام 1928م بصياغة درامية متصاعدة من مؤسس حسن البنا، قابلة للتطويع و تطوير أداءها و تغيير شخوصها حسب تغير الزمن و آلياته و حتى جغرافيا المكان . و فى واحدة من أهم رسائل حسن البنا يشرح الرجل تفصيلاً مصير التنظيم الذى يبنيه قائلاً (أحب أن أصارحكم، إن دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم الكثير من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات) . إذن الرجل واضح فسيظل الإخوان فى أمان حتى يكتشف (الناس) حقيقتهم، و حتى لا يظن أحد أن البنا كان يقصد أن (جيشه) الذى يعده سيظل فى أمان طالما أنه يمارس فعل الدعوة لا السيطرة على الوطن فإنه يقرن مواجهة المجتمع للتنظيم بالفعل الدعوى قائلاً (وفى هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات، أما الآن فلا زلتم مجهولين ولا زلتم تمهدون للدعوة وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد) و حتى لا يظن أحد أن البنا كان يقصد ب (الناس) الخصوم السياسيين أو حتى أهل الحكم،فإنه مشكوراً يوضح (سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة فى طريقكم، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم فى سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف فى وجهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل فى طريقكم ! . إذن البنا طالب جيشه بالاستعداد لما تطلبه (الدعوة) من (كفاح و جهاد) ضد كل مكونات المجتمع ( الشعب الجاهل المتدينون علماء الأزهر الرؤساء الزعماء رؤوس المال النخب الحكومات ) الرافضون لمشروعه و تنظيمه. و لا يفوت البنا فى نهاية رسالته إلى قواعد التنظيم أن يصبغ حديثه بالدليل الشرعى على صدق كلامه و سمو غايته باعتبارها صحيح الإسلام وما سواها خاطئ فيضع الآية الكريمة (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) . و بالتالى فكل معارض للتنظيم ( كاره لتمام نور الله بالاستسلام لرغبات البنا و تنظيمه) و هو بنص الآية (كافر). كواليس تنظيمية فى ظل حالة الشحن التاريخى لدى التنظيم ضد المجتمع، و مع ضغط و إلحاح منصة رابعة العدوية إبان قيام (دولة التنظيم) على أراضيها، يصبح من الطبيعى جداً أن يدرك (سدنة معبد التنظيم ) أنهم على أعتاب مرحلة المواجهة الشاملة التى (بشرهم) بها (حسن البنا) . و لهذا رفضت قيادات التنظيم فى الداخل و الخارج كل مقترحات فض ميدان رابعة العدوية حتى التى جاءت قبل فض الميدان بأربع ساعات، ليس خوفاً من تراجع ( التنظيم ) على الأرض و فقده للسلطة، بل لأنه حال الفض دونما (دماء) ستكون أول الفواتير التى يدفعها قيادات التنظيم فى الداخل و الخارج هو التخلى عن مقاعد ( سدنة معبد التنظيم ) و هو ما يعنى (خروجاً عن المسار الذى أراده البنا للتنظيم أو ربما الذى تم رسمه له ليسير فيه و من يأتى بعده ) ! يعلم الدكتور محمد بديع فى محبسه، و مثله خيرت الشاطر و غيره من قيادات التنظيم أنهم ساروا به بأمانة نحو تحقيق نبوءة البنا بمواجهة المجتمع و بالتالى فلن يفاجئهم حكم بالإعدام يصدر بحق أحدهم هنا أو بحق عشرات هناك، فهذه الأحكام و غيرها بالنسبة لهم فرصة و يجب اغتنامها . لتتحرك القيادات فى الخارج مستخدمة مساحات من العلاقات مع أنظمة و حكومات و أجهزة استخباراتية و منظمات حقوقية، لتسفيه ما يجرى فى مصر، باعتباره خرقاً لآليات القانون و امتهاناً للعدالة، و تسيساً للقضاء و هو ما كانت تنتظره الحكومة التركية و السويديه و كلاهما أصدر استنكاراً لحكم إعدام المرشد بمجرد إعلانه و كأن كلاهما قد فرغ من شواغل العالم إلا مصر و مصير الإخوان فيها. و تتحرك لجان الجماعة الإلكترونية، لتلعب دور الموجه للعقل التنظيمى الجمعى فى غياب وحدة الإدارة الرئيسية داخل التنظيم الأسرة أصغر وحدات التنظيم و من خلال الفضاء الإلكترونى يتم تسفيه أى حكم أو إجراء يتم ضد الجماعة ليس تعالياً على المجتمع و أجهزة الدولة و إنما بثاً للثبات فى نفوس القواعد المهزوزة بفعل وعود كثيرة لم تتحقق . و تتحرك القيادات الغير محسوبة على التنظيم مباشرة مستخدمة لغة الانتقام و التهديد بالوعيد و الثبور و عظائم الأمور لكل من يشارك فى إصدار حكم الإعدام أو السجن، و عندما يتم اغتيال قاض او تفجير محكمة أو مركز أمنى ستبادر قيادات الجماعة من مخابئها فى الداخل و الخارج باستنكار الأمر بمقولة البنا الجاهزة ( ليسوا إخواناً و ليسوا مسلمين ) أو بتحميل المسئولية للنظام المصرى باعتباره من يقتل نفسه . و هكذا .. يكون مصير المرشد هو ذات نهاية منصور الطوبجى فى إعدام ميت يحاول الهرب من عدالة رسمية ليقع فى عدالة شعبية تقتص منه أملاً فى تطهير الوطن منه أو سعياً لتطهيره من خطايا تصديره الوهم لقواعده و الدمار لشعبنا و بيعه الوطن لأجهزة خارجية و الاستعانة على وطنه بقوى عالمية لا يعلم إلا الله كيف نمت بينه و بينها علاقة .