وإذا وصلنا إلى «ملحمة الحرافيش» فقد وصلنا إلى قمة إبداع محفوظ الروائى، فهذه الرواية الخالدة تعد بحق ذروة ملحمية كبرى، لا يعلو عليها شىء مما كتب فى فن الرواية العربية، كما لا يوجد مثيل لجمالها فى الأدب العربى كله، ومن ثم لا يصح أن نقول عنها هنا بضعة أسطر، وهى الجديرة بمجلدات نقدية، تبحث فى جماليات هذا الإبداع المحفوظى العظيم. أتعْرف ماذا قال نجيب محفوظ عن «ملحمةالحرافيش»؟ لقد قال إنها رواية النصر، فى مقابل روايات الهزيمة القاسية فى 1967، فقد فكر فيها محفوظ وكتبها وهو تحت نشوة الفرح بانتصارنا فى 1973. فماذا يمكن لنا أن نقول عن هذه الملحمة الشاهقة البنيان، والرائعة الجمال؟ وأى كلمات يمكن أن تعبر عما تشتمل عليه صفحاتها من فن وأدب وذوق وحكمة؟! إنها الرواية الوحيدة -فى حياتى- التى بدأت فى قرأءتها مرة ثانية بمجرد ما انتهيت من القراءة الأولى، فمع آخر صفحاتها بدأت من جديد فى صفحتها الأولى، لأتذوق على مهل قطرات الحكمة المعطرة فى كل عبارة من عباراتها البليغة. ولننظر فى مفتتح الملحمة: «فى ظلمة الفجر العاشقة، فى الممر العابر بين الموت والحياة، على مرأى من النجوم الساهرة، على مسمع من الأناشيد البهيجة الغامضة، طرحت مناجاة متجسدة للمعاناة والمسرات الموعودة لحارتنا». والملحمة مكونة من عشر حكايات، كل منها تقود إلى الأخرى، وكل منها تزيد الأخرى روعة وجمالا! تبدأ مع «عاشور الناجى»، ثم «شمس الدين»، و«الحب والقضبان»، و«المطارد»، و«قرة عينى»، و«شهد الملكة»، و«جلال صاحب الجلالة»، و«الأشباح»، و«سارق النعمة»، وتنتهى ب«التوت والنبوت». أما رواية «عصر الحب» فهى رواية فى معانى الحب والخير والعطاء من خلال شخصية «الست عين» الأرملة الجميلة الثرية الخيرة الرحيمة، والتى «تتسلل إلى أعماق القلوب الجريحة فتعايش الآلام وتخالط الأحزان وتوادد التعساء، كما تتعامل مع أبناء أو تؤدى رسالة طرحتها عليها قوى الغيب». أما «عزت عبد الباقى» ابن الست عين، فله حياة أخرى غير حياة أمه، حيث يلعب به العشق من جهة، وتلعب به الحياة الدنيا من جهة أخرى، ويختلط عليه حب صديقه «حمدون عجرمة» بحب زوجة صديقه «بدرية»! إذ يتقلب بين الخيانة والحب، والصداقة والغدر! وتوقف الست عين أملاكها للخير على أن ينفذ ذلك بعد انقضاء الأجل. وعينت ابنها ناظرا للوقف، ومن بعده ابنه سمير. ثم تأتى الخاتمة هكذا: «إن الست عين لم تمت... رغم أن الذين عاصروا وفاتها لم يعرفوها أو كذلك كانت أغلبيتهم.. ما عرفوا إلا ما يتناقله الرواة، ولكن الست عين لم تمت... وحتى اليوم يطلق الناس على المستشفى الذى قام مكان دارها (مستشفى الست عين).. إنه الخير أعظم ما يصنعه الإنسان على الأرض، وهو الذى يبقى لأنه ينفع الناس».