تقول الأسطورة إن عمر الخيام وحسن الصباح وأبو على الطوسى، الذى لُقب بعد ذلك ب«نظام الملك»، تلقوا تعليمهم معا فى سمرقند ببلاد فارس، وأنهم اتفقوا إنْ بلغ أحدهم المجد أو الثورة فى يوم ما سيقوم بمراعاة صديقَيْه، ثم أصبح «نظام الملك» وزيرا لدى سلاطين السلجق، فعرض على صديقيْه أن يختارا ما بدا لهما، فاكتفى الخيام بمكان يقوم فيه بعمل أبحاثه الرياضية ومراقبة النجوم وكتابة شعره، بينما اختار الصباح مكانا فى الوزارة، لكن سرعان ما حاول الصباح التآمر على صديقه القديم كى يحلّ محله، فما كان من «نظام الملك» إلا أن أقصاه ونفاه خارج البلاد. أما الحقيقة التاريخية فمختلفة بعض الشىء! فى أواخر القرن الحادى عشر امتد حكم سلاطين السلجق الأتراك إلى كل ولايات بلاد الفرس شرقا، مرورا بالحجاز وسوريا، ثم نيشابور وأصبهان، ووصولا إلى بخارة (أوزباكستان اليوم)، ولضعف أصاب الخلافة العباسية فى بغداد فقد كان الخليفة العباسى يتلقى أوامره من السلطان السلجوقى مباشرة. خدم «نظام الملك» (1018-1092) السلطان ألب أرسلان كوزير وقائد للجيش فى حروب ضد أمراء من العائلة الحاكمة يتنافسون على العرش أو ضد البيزنطيين، وعندما صعد مالك شاه، ابن ألب أرسلان، إلى العرش وعمره 17 عاما تنامى نفوذ «نظام الملك»، فجعل (لما له من علم غزير) أصبهان قِبلة للعلوم ومركزا للحكم الرشيد، فنظَّم الضرائب ومصروفات الجيش، وأسَّس المدارس النظامية فى أنحاء البلاد لتعليم العلوم والرياضيات، وجعل للعلماء دورا فى إدارة الدولة. المدارس النظامية تُعدّ النموذج الأول للتعليم الكامل المؤسسى مثل أعرق جامعات أوروبا وأمريكا اليوم، وكان من أبرز مريديها وعلمائها الإمام أبو حامد الغزالى (1058-1111)، وللغزالى دور مهم فى تقريب الفكر الصوفى إلى الفقه السنى، وفى نقده الشديد للفلسفة الإغريقية وللمتأثرين بها من فلاسفة الشرق مثل ابن سينا والفارابى. وقد أسند إلى «نظام الملك» إدارة المدرسة النظامية ببغداد، لكنه وبعد وفاة الأخير بثلاث سنوات ترك الوظيفة، وبدأ رحلة البحث عن ذاته، فذهب إلى الحج، ثم عاش سنوات فى عزلة متفرغا للكتابة فقط والتدريس على نطاق ضيق بزاوية مجاورة لمنزله. أما عمر الخيام (1048-1131) فهو مثل ليوناردو دافينشى بعده بأربعة قرون، جامع لعلوم متفرقة، فهو عالم رياضيات «رائد فى الجبر» وفيلسوف وعالم فلك وشاعر، وقد كان للخيام دور داخل بلاط مالك شاه وإلى جوار صديقه «نظام الملك»، وكانا يأخذان برأيه إلى أن قُتل الاثنان، فانقلبت عليه أرملة السلطان، فرحل بعيدا عن البلاط ورجع بعدها بسنوات. يُلاحظ أن قِبلة العلوم تلك ومنارة الشرق التى أسسها «نظام الملك» بدأت فى التخافت بعد مقتله ومقتل مالك شاه، فبعدها رحل الغزالى وكذلك عمر الخيام، لكن مَن قتل الوزير والسلطان؟ ولماذا انقلبت أرملة الأخير على الخيام؟ الإجابة تبدأ من مصر، فعندما توفِّى الخليفة الفاطمى الشيعى، المنتصر بالله، عام 1094 حدث صراع على السلطة بين ابنيه، واستطاع الابن الأصغر الاستيلاء على العرش، فاستعان الابن الأكبر، الوريث الشرعى، نزار بطائفة الإسماعيلية التى كان يقودها حسن الصباح فى محاولة لاسترداد عرشه، لكنه فشل فى مهمته وقتل نزار، فبايع الصباح ابنه، ولم يعترف بشرعية الخليفة الفاطمى الآخر، هل كان الصباح بعد أن تم عزله من أصبهان يبحث لنفسه عن دور جديد؟ المؤكد هو أن الصباح هو مؤسس وقائد جماعة الحشاشين «منبع الكلمة ليس تعاطى الحشيش فكلمة Assassin اللاتينية فعل مشتقة من اسم هذه الجماعة، لكن من كلمة (أساسا)، لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم حماة لأساس الدين، فربما تم تحريف الكلمة لاحقا»، المنتمين إلى طائفة الإسماعيلية الشيعية، لذا فمن الأوقع أن يتقارب مع ولى العهد الفاطمى. وقد كان هدف الصباح الأول نشر الدعوة لمذهبه وتكفير المذاهب الأخرى، واستطاع الصباح وجماعته أن يستولوا على قلعة «أَلمُوت» المرتفعة عن البحر ب2000 متر، لتصبح مركزا له لزعزعة استقرار الخلافة السنية فى بغداد وأصفهان، فكان أفراد من الجماعة يقومون بعمليات اغتيال سريع، وأحيانا يكونون طرفا فى مؤامرة ما. يُقال بأن زوجة مالك شاه الثانية قد استعانت بحسن الصباح لقتل زوجها، ثم وزيره المقرّب «نظام الملك» كى تأتى بابنها إلى الحكم، فقد كان الوزير مع تولية الابن الأكبر للحكم، فلا عجب أن يرحل بعدها صديق «نظام الملك» المقرب عمر الخيام. ووسط كل هذه المؤامرات والتصارع الشيعى-السنى، كانت جيوش الفرنجة أول حملة صليبية تتجه من أوروبا إلى بلاد الشرق، ثم سقطت القدس لأول مرة عام 1099، وقُتل أغلب سكان المدينة. وللحكاية بقية.