ب- (إجبارى) اكتب رسالة إلى المجلس العسكرى المصرى تشكره فيها على حمايته للثورة المصرية وتصميمه على حماية البلاد من كل عميل وطامع رغم ما تعرض له من إهانات.!!!! علامات التعجب من عندى، فلا أعرف حتى الآن أن هناك علامات للقرف، وفواصل للنكد، وإشارات للرثاء. السابق ورد بخبر نشره موقع الدستور الأصلى الإلكترونى يوم الجمعة الماضى بعنوان (العودة لعهد المخلوع بسؤال فى امتحان لطلبة الثانوى.. «اكتب رسالة شكر للمجلس العسكرى») مرفقا بصورة لورقة أسئلة امتحان الدور الأول للصف الأول الثانوى فى مدرسة أبو صوير الثانوية بنين. السؤال فى مادة يفترض أن اسمها «التعبير»، ولأنها أيام (العبث الانتقالى) سأفترض أن هناك من الطلبة من هو مؤيد بالفعل للمجلس العسكرى، بل وأزيد على ذلك أن منهم مؤيدين لحسنى مبارك نفسه، وبكل تأكيد أيضا فإن هناك من هو معارض، أو له وجهة نظر مستقلة، فلماذا لم يترك واضع هذا السؤال لكل واحد من هؤلاء مساحة للتعبير عن رأيه بحرية ودون جبرية؟ لماذا يصر، من خلال سؤاله الموجه بفظاظة، على تأصيل ثقافة الانحناء والتملق والكذب الاضطرارى فى سيكولوجية النشء، ممن سيحملون على عواتقهم النهوض بمستقبل هذا البلد؟ ولماذا يحكم عليهم بالسجن فى زنزانة النمطية والنفاق؟ لماذا يقتل بوحشية ملكات النقد والإبداع فى أذهانهم ويتركهم بلا روح خلاقة قادرة على التفكير والتحليل والإبداع؟ كان من الممكن أن يقول: اكتب رسالة إلى المجلس العسكرى عبِّر فيها عن رأيك فى موقفه من الثورة. وبذلك يترك الأفق مفتوحا لكل طالب يعبر فيه عن اقتناعه الخاص، أو على الأقل يضع هذا السؤال ضمن فئة الأسئلة الاختيارية بدلا من إجباره على النفاق. الإجابة عن هذه الأسئلة ليست بالطبع لدى مدرس اللغة العربية الذى وضع أسئلة الامتحان، ولكنها فى فكر عشّش منذ أيام فرعون فى وجدان وثقافة البعض من مريدى الحاكم، مهما كان شكله ومهما ظلمهم وجوّعهم وسجنهم، فكر يقوم على تمجيد السلطان والبحث الدائم عن الإله الواحد ليتحكم فى مصير أبنائه من الشعب كيفما شاء وبالطريقة التى يراها، وما على الشعب إلا الحمد والشكر له. كنت أتصور أن روحا جديدة دبت فى جسد هذا الوطن بعد الثورة أزهقت أخلاق العبيد تلك، روح منطلقة غير مكبلة بموروثات الماضى البائس، تحطم أصنام الخنوع والذل والنفاق، وتبنى صروح الحرية بالعلم والتفكير والإبداع، ولكن هنالك من يأبى لهذه الأمة أن تتحرر، ويصمم على أن تبقى أسيرة التلقين الغبى والنوم فى عسل النفاق الأسود والتسبيح بحمد السلطان، هنالك مجالس بركت على جسد الثورة، تحاول أن تفطِّسها، ولا تزال باركة. ولماذا لا تبرك أكثر وأكثر، خصوصا أن هناك من يدعم وجودها من عواجيز أيام مبارك وإعلامه وفنانيه ومعلميه أمثال صاحب سؤال التعبير؟! هذا عن العواجيز، أما عن التلاميذ فبإذن من له ملكوت السماوات والأرض لن يستطيع، لا المجلس العسكرى ولا وزارة تعليمه، ولا بقية المجالس، شعبية كانت أو استشارية أو ما يستجد أن يسقوهم من كأس النفاق والكذب والتملق، وأن يسجنوهم فى زنازين الماضى الكريه، فما عادت تنفع الأساليب القديمة مع الجيل الجديد الذى تنوعت مصادر المعرفة لديه من إنترنت وغيره، حتى أصبح متفتح الوعى شديد الذكاء، من الصعب أن يوجهه أحد دون إرادته نحو اقتناع محدد وأفكار عفا عليها الزمن. قالها الفاجومى منذ زمن وسيرددها التاريخ دائما: رجعوا التلامذة يا عم حمزة للجد تانى يا مصر دا انتى اللى باقية وانْتى.. قطف الأمانى ويا أيها المدرس الخائب، قد يكتب التلامذة رسالة النفاق الإجبارية فى قفص اللجنة، لكنهم بالتأكيد سيخرجون لفضاء أبو صوير ليهتفوا بحرية: يسقط.. يسقط.. حكم العسكر.