فى وحدة أمراض الدم وزرع النخاع بمستشفى أبو الريش المنيرة أكثر من 22 ألف طفل مريضون بأحد أمراض الدم، تلقوا العلاج العام الماضى، منهم أكثر من 7 آلاف حالة جديدة. الدكتورة إلهام يسرى مديرة الوحدة، توقعت أننى قادرة على تقديم الدعم لهم. فأنا أحد أعضاء مجلس إدارة الوحدة، حيث تنص اللوائح على ضرورة وجود شخصيات عامة كأعضاء فى مجالس إدارات الوحدات الخاصة. والحقيقة أننى أرغب بشدة فى تقديم المساعدة، ليس لأننى حضرت اجتماع مجلس الإدارة، واستمعت إلى خطط الأساتذة الطموحة فقط، وإنما لأننى قابلت كثيرا من الأطفال مرضى الدم الذين يحتاجون إلى رعاية أسبوعية، سواء بأدوية أسعارها جنونية، أو بنقل دم. وأعرف من خلال أسر هؤلاء الأطفال المرضى قيمة ما يتلقونه من رعاية فى وحدة أبو الريش. التمويل الأساسى لهذه الوحدة يأتى من التأمين الصحى، حيث إن هؤلاء الأطفال لهم غطاء تأمينى، لكن ما يقدمه التأمين غالبا ما يكون أقل من التكلفة الحقيقية لأسباب كثيرة، ويبدأ بعد مرحلة طويلة من الفحوصات المجانية لا تقل عن شهرين للوصول إلى التشخيص، وهذا يعرفه المسؤولون فى التأمين كما يعرفه المسؤولون عن الوحدة والمستشفى كله، ولا طائل من محاولة الضغط على التأمين لزيادة المبالغ، فأصبح الحل فى التبرعات، التبرعات التى يوجهها أصحابها لأطفال أمراض الدم تغطى بعض التكلفة، وأيضا فى دعم مستشفى أبو الريش الأم، وقصر العينى الأب، لكن المنطق يقول إن كلا من أبو الريش وقصر العينى هما أيضا فى حاجة إلى الدعم، وأن المتوقع من الوحدات الخاصة أن تسهم فى هذا الدعم. وحدتنا وحدة أطفال أمراض الدم تمتلك عنصرا أساسيا، يمكنها من أن تقدم أحسن خدمة طبية، وهو العنصر البشرى. بشر يفكرون ويخططون ويعملون للانتقال إلى الأمام. كيف؟ بتشغيل وحدة زرع النخاع. ولمن لا يعرف زرع النخاع، هو أحد أساليب علاج بعض أمراض الدم، وتكلفة زرع النخاع للمريض أقل من تكلفة استمرار علاجه بالأدوية ونقل الدم، إضافة إلى أن الزرع هو علاج نهائى للمرض، أما العلاج الدوائى المكلف جدا، فلا يقضى نهائيا على المرض، بل فقط يسيطر على أعراضه. وحدتنا لديها الأجهزة التى تكلفت ملايين الجنيهات، وتم إجراء جراحة زرع واحدة ناجحة سنة 2008، ثم توقفت لأسباب تمويلية فقط. الآن فريق العمل يحلم بإعادة فتح وحدة الزرع، ولديهم بالفعل ثلاث حالات تم تجهيزهم، ومعهم المتبرعون المتوافقون معهم. ولديهم أطباء شباب مدربون، وأطباء أساتذة أيضا، وعقدوا اتفاقية مع المكان الرئيسى لزرع النخاع فى مصر، وهو معهد ناصر لمساندتهم بالخبرة العلمية والطبية. وحدة زرع النخاع فى معهد ناصر لديها قائمة انتظار لأربع سنوات قادمة، أى أن المجتمع كله يحتاج إلى فتح وحدة جديدة. والمرضى المنتظرون دورهم فى الزرع، هم ينتظرون بنفس الدرجة دورهم فى الموت، وكل تأخير فى الزرع هو تعجيل للموت، والأعمار بيد الله، لكن أيضا الحياة تختلف، المريض الذى يتلقى العلاج يظل مريضا، والمريض الذى يزرع النخاع يشفى. إذن نحن نملك الأجهزة، والمكان، والأطباء، والعلم، والمرضى والمتبرعين، بقى التمويل. أقل تكلفة للحالة الواحدة مئة ألف جنيه، قد تصل إلى مئة وخمسين ألفا، والتأمين الذى هو المصدر الأساسى لتمويل وحدة الزرع فى معهد ناصر يرفض تمويل وحدتنا، إلا إذا أجريت فيها جراحات ناجحة تجعله يثق بإمكانياتها، وأهالى المرضى معدمون، و.. ما الحل؟ دعتنى الدكتورة إلهام لتسألنى أنا: ما الحل؟ لم أهتم بأن أجيبها، لأننى انبهرت بحماسها وحماس زملائها وإصرارهم، والدنيا علمتنى أن هذا الإصرار لا بد أن يصل إلى الحل.