لعشرات السنوات وقع ظلم هائل على شباب مصر من النظام الحاكم، فكان يُهمش دوره ويحاصِر ملكاته ويسد الطريق أمامه، ولا يفتحه له إلا بعد أن يهاجر من شبابه إلى الكهولة، فلا تجد مدير إدارة أو رئيس قسم فى شركة أو مصنع أو مؤسسة أو مدرسة أو جامعة أو صحيفة أقل من خمسين عاما إلا فى ما ندر، بينما المجتمعات العفية تتيح لشبابها أن يطلق طاقاته وحيويته وهو فى كامل عنفوانه، وتعتمد عليه فى تغيير جلدها وتجديد شرايينها، فلا تصاب بأمراض الشيخوخة أبدا، والولايات المتحدة هى أفضل نموذج فى العالم، فى دفع شبابها إلى القمة مبكرا، فنجد أن أغلب مبدعيها ومخترعيها من شباب موهوب منحت لهم الفرصة فى التوقيت المناسب، وقبل أن تشيخ أفكاره من الركنة والصدأ، بل إن أغلب المديرين التنفيذيين فى الشركات الكبرى لا يتجاوز عمر كل منهم 35 عاما، وبالتالى من الطبيعى أن يكون الرئيس الأمريكى «يا دوب» فوق الأربعين. لكن المجتمع المصرى فى الأربعين سنة الأخيرة اختصم شبابه وأعاقه وركنه على الرف، حتى تحولت مصر إلى دولة على المعاش، كل أصحاب المناصب فيها اقتربوا من أرذل العمر أو تجاوزوه، ولكن فى السنتين حدث بعض التعديل فى هذه المفاهيم الفاسدة المانعة للنمو والتقدم، وبدأ الشباب يأخذ فرصته نسبيا فى بعض مؤسسات الدولة. لكن هذا لم يمنع من نشوب صراع أجيال حاد، وصراع الأجيال لا يخلو منه أى مجتمع بدرجة أو بأخرى، لكن فى مصر وبعد ثورة 25 يناير أخذ شكلا عنيفا وصار أقرب إلى إعلان حرب، أطلق فيها الشباب موجات متتالية من القذائف وصواريخ الإهانات على الأجيال القديمة، ووصفوها بالخنوع والخضوع أمام السلطة، والضعف فى مواجهتها، وأن هذه الأجيال هى جزء من سوء الأحوال الذى وصلت إليه مصر، وأن جيل الشباب هو الذى أنقذ الوطن من براثن الاستبداد ودفع الثمن غاليا من حياته. وكتب الروائى علاء الأسوانى عن جيل الكبار، وقال فيه أكثر مما قاله مالك فى الخمر، فهم فى رأيه إما «منسحقون وإما فاسدون وإما مهاجرون للخارج هاربون، وهو جيل منزوع الوعى السياسى، عاجز عن العمل الجماعى، لا يعرف من النضال سوى أكل العيش»، لكن «الشباب رفضوا أن يتواءموا مع الفساد، ورفضوا الهجرة وقرروا أن يغيروا الوطن بأيديهم. الشباب غاضبون وهم يستريبون فى نوايا السلطة الحالية، فلنستمع إلى الشباب هذه المرة. فقد كانوا دائما على حق!!». وقد لا نناقش صحة ما كتبه الأسوانى، ولكننا نستدل به على المدى الذى وصل إليه الصراع بين الأجيال، ويبدو أن الأسوانى قرر أن يدافع عن الشباب بعدما طالت اتهامات مشينة عددا منهم، وأمسكت فيهم كما تمسك النار فى الهشيم. والشباب عموما متمرد بطبعه، رافض لكل أوضاع مجتمعه حتى لو كانت صحيحة، وثائر عليها، وحامل تغييرها وبناء عالم جديد على هواه. ولم يتحدث ولا واحد من المرشحين لمنصب الرئيس عن هذه الأزمة الخطيرة، ويجب أن تكون على رأس أولوياته، لأنها حرب يخسر فيها الجميع!