مصر وأمريكا، هذه العلاقة المشكلة، علاقة حُب وكراهية معا، يقف المصريون طوابير يحلمون ب«الجرين كارد»، ولكنهم فى الوقت نفسه يتبرأون من الجنسية إن واجههم غضب الرأى العام، نشرب «الكوكاكولا» فى مجالسنا، ونرسل أولادنا إلى الدراسة هناك، فى الوقت الذى نصبّ فيه لعناتنا على السياسة الأمريكية تجاه العالم العربى والإسلامى. على المستوى الثقافى، لا يُخفى أغلب الشعب المصرى إعجابه وانبهاره بالثقافة الأمريكية والتطور الأمريكى، لكنه أيضا لا يُخفى سخطه على حربها المزعومة على الإرهاب، وازدواجيتها فى ما يتعلَّق بحقوق الإنسان، فهى تارة ترمى القنابل على أماكن سكنية لاشتباهها فى وجود إرهابيين فى دول تبعد عنها آلاف الأميال، وفى نفس الوقت تحمى مواطنيها بشراسة فى أحادية استنادا إلى حقوق الإنسان أيضا. ثنائية واضحة فى إدراك أمريكا، ناتجة عن تداخل عناصر السياسة والثقافة لدى الوعى الجمعى الشعبى المصرى، والحساسية تجاه أى سياسة إمبريالية نتيجة الخبرة الذاتية مع الاستعمار، مع غضب الرأى العام المصرى والعربى المستمر نتيجة سياسات الهيمنة، وانعدام المساءلة عن جرائم الحرب أو انتهاكات حقوق الإنسان، ولكن أهم سبب لسلبية ملامح أمريكا اتفاقية «كامب ديفيد» والطريقة الفوقية التى صيغت بها دون مداولات داخلية، ما أسفر عن ارتباط شرطى بين كل من علاقتنا بأمريكا وإسرائيل دون تسوية حقيقية أو عادلة للقضية الفلسطينية، بل مجرد وعود هلامية بانت حقيقتها على مدار سنوات، وتواطؤ النخب السياسية العربية على مدى عقود أكد الاعتقاد الراسخ أن أمريكا لن تحلّ الصراع وتحابى لإسرائيل. بعيدا عن المهاترات الإعلامية التى صاحبت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية، رغم نجاحها بالمعايير الدبلوماسية، فهى أوضحت أن كلا البلدين لا يريد المخاطرة بقطع العلاقات، أو أخذ خطوات تصعيدية فى الوقت الحالى، فمصر لن تُخاطر بمزيد من عدم الاستقرار إذا ما غيَّرت تحالفاتها، خصوصا فى ظل الأزمة الاقتصادية مع الضغط الشعبى على النظام لكسب شرعية تستند إلى إنجازات، مما يقلل رغبة النظام فى فتح جبهة جديدة، وإن كان إضفاء التعددية على علاقات مصر الدولية مطلوبا فى نظام دولى جديد متعدِّد الأقطاب ما زال طور التشكيل، كما أشار بنفسه الوزير نبيل فهمى. من جانب آخر، تريد أمريكا تفادى خسارة مصر باعتبارها ما زالت دولة مهمة وملهمة لغيرها فى المنطقة، حتى مع بزوغ دول أخرى مؤثِّرة فى ضوء التحولات الإقليمية خلال السنوات الماضية، ومن هنا تأتى المحاولات الثنائية لأجل بداية جديدة، تزامنا مع أنباء عن إرسال سفير أمريكى جديد بعد خلوّ المنصب منذ 9 أشهر. هذا لا يعنى أن العلاقات المصرية-الأمريكية ممتازة، أو أنها لا تحتاج إلى تعديلات جوهرية فى المعادلة السائدة، بل هو حق مشروع لكل دولة أن تسعى إلى تحقيق مصلحتها الوطنية، وإنما التطور الحالى مجرد بداية جديدة تستند إلى برجماتية واضحة.