منذ الخمسينات و الاستاذ الدكتور ياسين العيوطي ومن خلال مناصبه في الاممالمتحدة ثم عمله كأستاذ للقانون في جامعات نيويورك, وهو يتابع ويرصد بشكل علمي و منهجي وموثق المجتمع و السياسات الداخلية و الخارجية الأمريكية و القوي و المفاهيم والاستراتيجيات التي تتحكم فيها وتوجهها . و خلال زيارته السنوية التي يحرص عليها لمصر , حرص الدكتور العيوطي علي ان يلقي محاضرة امام المجلس المصري للشئون الخارجية حول احدي قضايا السياسة الأمريكية التي تشغل الاهتمام، و لغزارة و قيمة هذه المحاضرات فقد حرص المجلس علي إصدارها في كتاب يحمل عنوان " الأمن الامبريالي الامريكي " و بمقدمة من السفير عبد الرءوف الريدي . ولا يتسع هذا المجال لعرض الموضوعات التي شملها الكتاب و لكنه يركز علي مفهوم الأمن الامبريالي الامريكي كما صاغته و طبقته ادارة بوش الابن و كان له تأثير واسع المدي في داخل امريكا و العالم . ويعرف الدكتور العيوطي " الامن الامبريالي الامريكي " بأنه النظر الي العالم كله خارج امريكا كساحة قتال حقيقي او متوقع لا ضد الارهاب فحسب بل وضد كل ما يتعارض مع ما تراه أمريكا كتهديد لاقتصادها والقوة العسكرية او الاقتصادية او تفسيرها للديمقراطية و الإصلاح وحقوق الانسان بغض النظر عن السياسة الداخلية لأمن دولة في العالم و الأمن الامبريالي ليس بالنظرية اذ يفترض في النظرية وجود دعائم أيديولوجية قابلة للتطبيق في بيئات مختلفة و علي فترة طويلة من الزمن . وفي تعريف الدكتور العيوطي فإن الامن الامبريالي الامريكي ليس في حاجة ماسة الي الدبلوماسية او الي السياسة الخارجية او الي الولاء للاطراف او المنظمات الدولية , وهذا فعلا ؟؟ علي السياسة الخارجية الامريكية ووجهها وخاصة في ولايتها الاولي وهذا ما يفسر ان السنوات التي يناقشها الكتاب تقع ما بين 2002 و 2006 و خاصمت بموجبها حتي حلفاءها و ابتعدت عن المنظمات الدولية والمعاهدات الدولية والتعاون الدولي , وهكذا فالامن الامبريالي الامريكي كما تبنته و طبقته ادارة بوش الابن انتقائي ليس مبنيا علي القانون ولكن علي القوة المستمدة من صدمة 11/9 . ولا يجد الدكتور العيوطي كأستاذ قانون في الدستور الامريكي اي نصوص تفسر او تبرر مباديء الامن الامبريالي الامريكي، والدستور ينص علي الفصل بين السلطات الثلاث بينما ازال قانون الوطنية الامريكية Patriot act التوازن بين السلطات الثلاث، والدستور يحرم المعاملة اللاإنسانية او القاسية او المحطة بالكرامة. وينبه الدكتور العيوطي الي جانب هام من جوانب الامن الامبريالي الامريكي هو الربط بين الديموقراطية كما تراها في امريكا و بين مناهضة الارهاب , فهذا هو منبع الفكرة الامبريالية الامريكية , التي تنادي بتغيير الانظمة و هي احدي الذرائع التي استخدمتها ادارة بوش في تبريرها لغزو العراق . غير ان مفهوم الامن الامبريالي الامريكي لم يقتصر علي الخارج وانما انعكس بشكل واضح علي الداخل الامريكي وعلي القوانين التي صدرت بعد 11/9 واستندت علي حالة الهلع التي استولت علي الشعب الامريكي ضد احداث 11/9 واستغلت لتوسيع سلطات الرئيس الامريكي علي حساب السلطة التشريعية والقضائية و انشاء وزارة الامن القومي التي ابتلعت العديد من الادارات والمصالح الاخري بما فيها مصلحة الهجرة والجنسية و التي تصدر من وقت لاخر انذارات للشعب الامريكي بقرب او باحتمال حدوث ارهاب في الداخل الامريكي . غير ان هذه القوانين والممارسات التي مثلت حقبة رهيبة بدأت في الانقشاع لضغوط المحكمة الامريكية واعضاء الكونجرس من جمهوريين وديموقراطيين . وكان هذا مقدمة شعار التغيير الذي سوف يسيطر علي انتخابات الرئاسة الامريكية عام 2008 والذي سيجيء برئيس امريكي سوف تختلف مفاهيمه ورؤيته عن مفاهيم الامن الامبريالي الامريكي كما تبنتها ادارة بوش الابن . علي اي حال فان هذا العرض لا يغني عن قراءة فصول هذا الكتاب المهم الذي يناقش بعمق و احاطة مرحلة هامة من حياة امريكا و العالم .