فى الاستفتاء على وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور عشر فوائد على الأقل: أولا- سيرسخ مبدأ أن الشعب مصدر السلطات. وأنه ليس من حق أى نخبة كائنة من كانت أن تقرر بالنيابة عنه. ثانيا- سيضع الشعب أمام مسؤوليته. وهذا هو الطريق الأفضل لى ولك لكى ننضج سياسيا. تماما كما فى الحياة، لا تعلُّم إلا بتجربة واختيار. ثالثا- سيحول الخلاف حول شكل الدولة إلى خلاف سياسى فكرى، لا إلى مسابقة فى حشد الأتباع. رابعا- سيكشف المواقف الحقيقية ويميزها. بمعنى أن الشعارات الواسعة لن تكون كافية. بل ستضطر القوى المختلفة إلى التعبير عن نيتها الحقيقية تجاه مستقبل مصر. هذه فرصة لكى تعرف الأمة بالضبط ما الذى يرغبون فيه وما الذى يرفضونه. وهذا شطرنج سياسى ممتع، قد يفرح فيه أحد اللاعبين باقتناص طابية، بينما يخسر الملك. خامسا- سيكشف حجم القوى الحقيقية فى الشارع، لأن أطراف المعادلة اختلفت. لن تعود السلطة (ممثلة فى المجلس العسكرى) + الاستقرار (الذى قُرِن بنعم فى الاستفتاء السابق) + المادة الثانية (التى استحضرت بانتهازية سياسية فى الاستفتاء السابق) فى جانب، بينما المنطق السياسى وحيدا معزولا ومعرضا لحملة تشويه وافتراء فى الجانب الآخر. سادسا- سيكشف انتهازية القوى التى ورطت نفسها بمديح مجانى للمجلس العسكرى، حين صبت سياساته فى مصلحتها. وسيكشف، على الجانب الآخر، السياسيين أصحاب المبادئ الذين يرفضون الوصاية حتى لو وافقت مصلحتهم. سابعا- سيكون بمثابة حملة انتخابية مبكرة، تعوض ضيق وقت الحملة الانتخابية البرلمانية. وستجبر المتنافسين على الخروج من القوقعة ومحاولة الوصول إلى الناس. كما ستخلى الأجواء لنقاش سياسى بحت، حول نقطة محددة، بدلا من توهانها وسط برنامج انتخابى كامل فى أثناء الدعاية الانتخابية. ثامنا- ما ينطبق على تمايز الأحزاب السياسية ينطبق بشكل أكبر على المرشحين الرئاسيين. لأن الرئيس المحتمل، على عكس الحزب، يهمه تقديم نفسه كرئيس توافقى. الاستفتاء سيكون كابوسا سياسيا لمرشح مثل الدكتور محمد سليم العوا، سيكون عليه الاختيار بين إرضاء جمهوره، ومن ثم الاكتفاء به، أو إغضابه والمخاطرة بفقدان قاعدته الأساسية. تاسعا- الجماعات الدينية تعانى انحسارا فى انضمام شباب صغير لها بعد ثورة يناير، لأنها لم تستطع أن تفهم ميول الجيل الجديد من الشباب ولا أن تخاطب طريقة تفكيره. والاستفتاء على دولة «المواطن/الدولة المدنية» فى هذا الوقت المبكر سيوسع الفجوة بين الخطاب السياسى الدينى وبين هؤلاء الشباب. وهذه مصلحة سياسية كبرى على المدى الطويل. عاشرا- الاستفتاء سيجنبنا عبء الجدل حول مدى دستورية البنود المقترحة، وعبء الدخول فى معارك قضائية وقانونية. تعليق بسيط: رغم اتفاق الأحزاب ذات المرجعية الدينية على رفض المبادئ الدستورية، فإن هذا لا يعنى أنها جميعا فى خانة واحدة. الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل يختلف عن معظمها فى أنه واضح ومتسق مع نفسه، ورفضه منطلق من مبدأ، عبر عنه دائما، دون أن يحاول التدليس كالآخرين. فله كل الاحترام على ذلك. النقد موجه إلى أحزاب النفاق السياسى كحزب الوسط وحزب الحرية والعدالة. تلك الأحزاب لم تفوت فرصة تعلن فيها التزامها بدولة «المواطن/الدولة المدنية»، وفى نفس الوقت لم تفوت فرصة لكى تكذب نفسها مع كل اختبار لكلامها على أرض الواقع. وهى أيضا تجنى الآن ما حصدته سابقا. من هنا، لا أعتقد أن دعوتها للاستفتاء حول وثيقة المبادئ الدستورية صادقة، وأغلب ظنى -وبعض الظن لا يصيب- أنها وسيلة منهم للحصول على تنازلات تتضمنها الوثيقة قبل صدورها. فتكلفة الحرج السياسى وانكشاف القناع الحليق المنمق الذى يضعونه على وجوههم باهظة فى الوقت الذى يسبق الانتخابات. أما إن أصر المجلس العسكرى على إصدار المبادئ الحاكمة للدستور فى إعلان دستورى فلن يعنى هذا بالنسبة لتلك الأحزاب إلا شيئا واحدا: أن السحر انقلب على الساحر. وأنهم سيدفعون ثمن مباركتهم الانتهازية ل«سابقة» الإعلان الدستورى ببنود لم يُستفت عليها، رغم تحذير القوى الوطنية.