في تل أبيب: 16 عائلة إجرامية متوغلة ومسيطرة على القطاع الاقتصادي الرسمي وهيئات الحكم المحلي وكأنك تشاهد فيلما سينمائيا من أفلام المافيا الأمريكية، حيث يجلس كبير العائلة الأب الروحي للعصابة في مكتبه الفخم بإحدى ضواحي نيويورك ويتوافد عليه طالبو الخدمات ومغدقو المنح والعطايا، طامعين في الرضا ، خائفين من غضب الدون الأكبر أو العراب، هكذا هو الحال في إسرائيل الكيان المغتصب الذي تتشابك فيه خيوط السلطة الفاسدة مع أباطرة الجريمة المنظمة على عكس ما تحاول تقديمه للعالم على أنها بلد تخلو من النقاط السوداء وترسم لأخرين صورة خداعية عن أنها صفحة بيضاء بريئة ونقية يحكمها الملائكة والقديسون. تل أبيب..المافيا والحكومة ورجال الأعمال يد واحدة الموظف الحكومي، رجل الأعمال، زعيم العصابة ..بشكل دائم يجتمع هؤلاء الثلاثة في إسرائيل من أجل تبادل المنافع بشكل غير قانوني، ووفقا لدراسة بحثية أجراها مناحيم أكير –الاستاذ في الجامعة العبرية- إذا كنت صاحب شركة أو مصنع أومجموعة اقتصادية كبرى وأردت كبح إضراب العمال لديك او تخليص بضاعة ما من إحدى الجمارك أو الحصول على المال يمكنك أن تلجأ لإحدى عصابات المافيا في تل أبيب والتي تصل إلى 16 عائلة منها 5 عصابات كبرى و11 أصغر، ووفقا لتصريحات أدلى بها ديفيد كوهين -قائد الشرطة الإسرائيلي السابق- فإن منظمات الجريمة الاسرائيلية توغلت في القطاع الاقتصادي الرسمي وهيئات الحكم المحلي. وعلى هذا إذا كان هناك رجل أعمال إسرائيليا ويريد الحفاظ على مكانته في السوق بل والسيطرة على تلك السوق نفسها، يمكنه التوجه إلى رجل المافيا الذي يملك هو أيضا صلات بالنظام الحاكم هناك، ووفقا للدراسة البحثية التي حملت عنوان (هل توجد مافيا في إسرائيل؟)، فقد تم الكشف عن الكثير من الوقائع التي استعانت فيها شركات اقتصادية إسرائيلية قانونية لعصابات الجريمة المنظمة من أجل تحصيل ديون مستحقة أو القيام باستثمارات أو تسويق أو للجم إضرابات واحتجاجات العمال وغسيل أموال. فإذا انتقلنا إلى شجرة العائلة الإجرامية سنجد أن أبرز العصابات المعروفة في إسرائيل هي عائلات دورماني والبيرون وشيرازي وامير مولنار وزئيف روزنشتاين وابيرجايل وابوطبول، وتتنوع أنشطتهم غير القانونية ما بين إدارة الكازينوهات ونوادي القمار والمراهنات داخل وخارج إسرائيل ، وسرقة السيارات وتهريبها، وممارسة الدعارة ، والاتجار في المخدرات، والاتجار بالبشر وغسيل الاموال والابتزاز مقابل الحماية، والقروض بفوائد فاحشة، والاتجار في المخدرات والسلاح، والبضائع المسروقة وتهريب الماس. ولعل أكبر فضيحة على تورط رجال السياسة الإسرائيلية مع المافيا، ما حدث مع أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية الحالي، والذي قام بصفقات تجارية مع المافيا الروسية بهدف ادخالها الى الحياة السياسية في اسرائيل، ووفقا للاتهامات التي وجهت لليبرمان فقد أقام علاقات مع المافيا الروسية عندما كان يشغل منصب المدير العام لمكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في عامي 1996 و1997، وبعد سنة استقال بشكل مفاجئ من منصبه واعلن تحوله الى عالم الاقتصاد وانضمامه لرجال الاعمال. وتبين انه بهذا التحول ربح خلال اسبوع 3 ملايين دولار، وان هذا الربح السريع جاء باستغلال التغييرات في سعر الروبل في روسيا، بطريقة غير نظيفة. تعامل الحكومة مع المافيا : اصمت أو زينا رأسك برصاصة لسنوات عديدة –حتى بداية سنوات الستبعينيات- لم يكن أحد في إسرائيل يعلم أن عصابات الجريمة المنظمة تنتشر وتتوغل في تل أبيب، وإذا سؤل أحد المسئولين أجاب إما بانه لا يعلم شيئا عن الأمر أو ينفي وجودها، الأمر الذي كان دائما سببه الرئيس الخوف من رصاصة أو قنبلة تستهدف هذا المسئول كإهداء من إحدى تلك العصابات. في السبعينيات حدث منعطف خطير، ففي وسط النفي الدائم للحكومات والخبراء بوجود ما يعرف بالمافيا الإسرائيلية، تكلمت الصحف العبرية للمرة الأولة عن الأمر مشفعة تقاريرها بالعديد من الأبحاث الأكاديمية ، خاصة مع انتشار عمليات النهب والسرقة والاقتحامات وتنامي أسواق الأغراض المسروقة وأسواق البضائع المهربة لداخل إسرائيل، وظهور تعبيرات "العراب" و"مافيوزو" على ألسنة الإسرائيليين. ران كسيلو صحفي بجريدة هآرتس استعان في سلسلة تحقيقات إعلامية برواية "جود فازر" للروائي ماريو بوزو والتي تحولت لأشهر أفلام السينما الأمريكية كي يقارن بينها وبين أنماط ومظاهر عصابات الجريمة المنظمة في تل أبيب، نتيجة المقارنة كانت متطابقة فهناك الزعيم الذي يقود عصابة تعمل في جباية منظمة للإتاوات وسرقة الممتلكات وبيعها، كما أن تلك العصابات الإسرائيلية لديها منظومة عقابية عنيفة تصدر فيها وتنفذ أحكاما ضد من تراهم خائنين لها بين أعضائها أو ضد المنافسين. الخوف الحكومي من التعرض للعالم السفلي استمر رغم حملة كسيلو الإعلامية للكشف عن الأمر، وبالرغم من المعلومات والشهادات والأرقام التي أورادها صحفي هآرتس إلا أن تقريرا أعده المستشار القانوني للحكومة وقتها قال بعدم وجود تشابه بين المافيا الأمريكية وما يحدث في إسرائيل. السبعينيات كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، وأماطت اللثام عن عالم الجريمة، حيث ظهرت مجموعة أخرى من المقالات والتحقيقيات الصحفية التي كشفت وجود علاقات فساد بين رجال المافيا والسلطة في تل أبيب؛ وبالأخص قيادات الحكم المحلي وحرس وموظفي الجمارك في الموانئ، وأخرين في قمة هرم السلطة، وفي النهاية خضعت الشرطة الإسرائيلية للضغط من أجل فتح التحقيقات في تلك المسألة ، وبالفعل في عام 1976 تم تشكيل لجنة بوخنر لبحث المسألة، والتي أكدت نتائجها على ما أوردته الصحف والأبحاث الأكاديمية. لصوص الدجاج والبهائم بل إن المثير للسخرية أن اللجنة كشفت عن جرائم أخرى لعائلات الجريمة المنظمة الإسرائيلية في على رأسها سرقات أدوات وماكينات الأعمال الزراعية والمحاصيل والطيور والبهائم، علاوة على سرقة وبيع مواد البناء و سرقة وبيع الأجهزة الكهربائية وغيرها. بل غن لجنة أخرى شكلت عام 1978 بعد اللجنة المذكوره أعلاه، كشفت عن فضيحة مدوية تتعلق بتمويل عصابات الجريمة المنظمة لأحزاب سياسية إسرائيلية أو إحضار ناخبين لصناديق الاقتراع مقابل منح رخص لتلك العصابات. في بداية الألفية الثالثة شهدت إسرائيل حربا بين عصابات المافيا استمرت لعدة سنوات وقتل فيها العديد من زعمائها ورجالها، فإذا عدنا عشرات السنوات قبل هذه الحرب سنجد أن جذور تلك العصابات لن تخرج عن عدة دول، فهناك المافيا القادمة من دول الكومنولث والتي قاد فيها يهود مهاجرون من تلك الدول جرائم سرقة المحال وعمليات الاقتراض بالربا والفائدة وعمليات الاحتيال والنصب، علاوة على ظاهرة تزييف الوثائق لمهاجرين غير يهود للحصول على الجنسية الإسرائيلية بالإضافة إلى إدارة بيوت البغاء. بعدها جاء دور المافيا السوفيتية والتي بدأت مع الهجرة الجماعية لليهود الروس لتل أبيب عام 1989 ، حيث رأت العصابات الروسية إسرائيل باعتبارها مكانا مثاليا لغسل الأموال وتم إقامة نظام مصرفي لتشجيع هجرة اليهود، هذا في الوقت الذي قامت فيه تل أبيب بتشريعات لتسهيل حركة رأس المال جنبا إلى جنب مع عدم وجود تشريعات لمكافحة غسل الأموال، ووجدت المافيا مكانا سهلا لنقل أموالها غير القانونية. و في عام 2005، قدرت الشرطة أن الجريمة المنظمة الروسية غسلت ما يتراوح بين 5 و 10 مليار دولار ، في ال 15 عاما منذ نهاية الاتحاد السوفياتي، حتى المجرمين غير اليهود وأشهرهم سيرجي ميخائيلوف، سعوا للحصول على جواز سفر إسرائيلي، وذلك باستخدام وثائق مزورة تثبت اعتناقه الديانة اليهودية، هذا وتمكن المجرمون اليهود الروس والأوكرانيون من إنشاء شبكات في الولاياتالمتحدة، في أعقاب حركة نزوح كبيرة من اليهود الروس إلى نيويورك وميامي، وأيضا في مدن أوروبية مثل برلين وأنتويرب، والعديد من هذه العصابات الروسية يحملون جوازات سفر إسرائيلية أيضا، كما تشارك الجماعات الإجرامية اليهود السوفييت في الولاياتالمتحدة في الابتزاز والدعارة وتهريب المخدرات والابتزاز والاحتيال البنزين فضلا عن القتل. و خارج المنظمات الإجرامية التي تتكون من اليهود الروس والأوكرانيين، تم تشكيل مجموعات الجريمة المنظمة القائمة على أسر وعائلات المهاجرين اليهود القادمين من جورجيا، والتي وسعت عملياتها لتشمل مدن غربية وتورطت في التزوير والاحتيال وغسل الأموال والاتجار بالمخدرات، والاتجار السلاح والدعارة والسطو المسلح.