هذا مقال كتبته فى يوليو، ذكرنى به أكثر من صديق ورأيت نشره من جديد، ليعرف الجميع مَن عيال التحرير. «الرعب والصفقة» هل هذه هى الطريقة التى يواجه بها المجلس العسكرى أزمات ما بعد إجبار مبارك على الرحيل؟ رفع اللواء الفنجرى إصبعه فى وجه الثوار، واستعار طبقة صوت مخصوصة ليبدو مرعبا. المشهد كله كأنه مستوحى من مدرسة المشاغبين.. لأنه فى الوقت الذى رفع فيه الفنجرى إصبعه كان المجلس يستجيب لطلبات الثوار، لكن على طريقته. كيف يتهم المجلس ثوار التحرير بأنهم «غير شرفاء»، وهو ينفذ بعض مطالبهم: 1- تغيير الحكومة. 2- شفافية المحاكمات. 3- تغيير قيادات الداخلية. هل هذه شيزوفرينيا المستبد.. ينفذ مطالب من يشتمهم ويتعامل معهم على أنهم «شوية عيال مشاغبة»؟ والحقيقة أن «العيال المشاغبة» ليسوا ملائكة ولا كلهم ثوريين، لكنهم يحركون الطاقة الحيوية التى كادت تموت فى مصر تحت حكم العواجيز. وأمس استعدت العنوان الذى وضعناه لتغطية الثورة فى صحيفة «الأخبار» اللبنانية. «مومياء تصارع الأحياء».. نعم الثورة المصرية دفاع عن الحياة ضد الموت تحت قبضة العواجيز، والمومياوات. مصر تدافع عن شبابها، ومستقبلها، تكتشف فيهم طريقا مسدودا بالشيخوخة التى تجعل الحكام والرؤساء أينما كانوا.. صورة آلهة فرعونية، يبدو الإنسان العادى فى مواجهتها «قزما»، لا تكاد العين المجردة تلتقطه. الشيخوخة لا تملك معدتها الرهيبة أدوات الهضم، وكلما ابتلعت شيئا زادت ضخامتها.. هكذا تضخمت صور المسؤولين فى نظام مبارك، لتصبح رموزا تجريدية لا تشير إلى أشخاص بعينهم قدر ما تشير إلى كيان ضخم. ماكينة ابتلاع من الصعب إيجاد بديل لها أو إعادة تصنيعها من جديد، لهذا سقط مبارك بثورة الشباب.. ولا شىء آخر. سقط بعد سنوات من ترويض الشباب، وامتصاص طاقته الحيوية باليأس والإحباط، والرعب، ليس لدى الرئيس العجوز إلا مزيد من إظهار القوة المفرطة، وإثارة الرعب هنا هى أورجازم (قمة النشوة) السلطة الشاعرة بجبروتها وعجزها فى نفس الوقت عن العودة بالحياة إلى البداية. الشباب هنا ليس مرتبطا بفترة العمر قدر ارتباطه بالقوة الحيوية، ولأن هذه القوة عاشت خلف أسوار العجز سنوات طويلة، فإنها تنطلق الآن باندفاع رهيب، قد يبدى عدم اكتراث بالحكمة. ولهذا سبب بسيط جدا، الحكمة قتلت كل أمل فى انحسار الشيخوخة، لأنها أعطت المبرر لاستمرار مبارك أكثر من 30 سنة. الحكمة فى مصر وظفت دائما لصالح الديكتاتور أو استقرار الأوضاع التى تجعل من المستبد مسيطرا ومستمرا إلى الأبد. «عيال التحرير» هربوا من مدرسة المستبد، وعلموا مصر كلها كيف تسير إلى المستقبل دون حكمة وأصابع من توافقوا مع الديكتاتور اللص القاتل وحاشيته أو عصابته. بينما كان هؤلاء يتوافقون ويلقون التحيات لمبارك وعائلته الطامعة فى السلطة كان «عيال» التحرير «غير الشرفاء» تطاردهم كلاب الحراسة، وتفسد حياتهم وتحولها إلى جحيم ورعب. العيال قفزوا من فوق السور ويريدون تغيير هندسة الشوارع التى صنعها الديكتاتور على مقاسه. الخيال وحده الذى انتصر وصنع ثورة جمعت مصر كلها تحت مظلة التحرير، وبالقوة الدافعة لشبابها. الثورة ليست وجهة نظر ولا مجال سؤال.. الثورة لن تتوقف إلا بإزاحة النظام القديم إلى الخلف، وبناء نظام جديد. هذا درس التحرير.. المستقبل للأحياء لا للمومياوات الذين يتصورون أنهم يمتلكون وحدهم مسطرة الوطنية.. والشرف الوطنى. الثورة صنعها العيال برغبتهم الكبيرة والطفولية فى التخلص تماما من الطغيان. لا أحد يحركهم. ولا عملاء يخططون لهم. إنها رغبة التغيير التى لا تتوافق مع «النُّص نُص»، التى يريد المجلس أن يحتكرها لكى لا يمنح المجتمع قوة الشراكة فى صنع المستقبل.. ومن أجل الاحتكار فليشتم من ينفذ مطالبهم. وعجبت لمن لا يعرف أن الموجة الثانية من ثورة النيل بدأت.