قال أحد الشباب إنه نزل مع زملائه يجرون وسط الملعب كى «يبوسوا» عبد الواحد فى مباراة الزمالك والإفريقى الشهيرة، وبالمناسبة لقوا نفسهم فى وسط الملعب فذهبوا كى يأخذوا صورا تذكارية مع بقية اللاعبين. ونسيت أفكركم أن هذا حدث والحكم لم يكن قد أعلن انتهاء المباراة بعد. ونحن كنا نظنهم جزءا من مؤامرة من تدبير فلول النظام السابق، مع أن الموضوع بسيط، هم فقط يريدون أن «يبوسوا اللعيبة». عادى يعنى! أحد الأشخاص قال إنه «سمع» إن «أختنا عبير أسلمت ومحتجزة فى الكنيسة،» فتوكل على الله هو والرجالة كى يتأكدوا من الأمر فتطور الموضوع بسبب التراشق بين الطرفين بحثا عن «عبير» ثم قال: «ما نبقاش رجالة لو لم نولع فى كنائس إمبابة». عادى يعنى. وبعد أن مات من مات وانتشرت الفتنة، خرج علينا فى شريط آخر معلنا أنه لم يكن يقصد وأنه كان منفعلا. عادى يعنى! أحيانا نسأل طلابنا أسئلة تهدف إلى تدريبهم على التفكير الجدلى فى قضايا نظرية نسبيا ولا نكون معنيين عادة بالإجابة النهائية ولكن المهم هو منطق الاستدلال وطريقة الانتقال من المعلومة (أ) و (ب) إلى استنتاج (ج) واستبعاد (د). ومن الأسئلة الشائعة التى نقدمها لطلابنا سؤال افتراضى مثل: «من ترفض أن يكون جارك فى السكن: شخص جاهل أو شخص غبى أو شخص يكرهك؟» ويميل معظم الطلاب إلى اختيار «الغبى» كأسوأ جار ممكن، ولهم أسبابهم. فالجاهل هو من نعلم ابتداء أنه لا يعرف، وحين يعرف (بفرض عدم غبائه) سيُحسن التصرف. والكاره هو شخص يمكن توقع سلوكه أو تتبعه بحثا عمن له مصلحة فى أمر ما وبالتالى يمكن التحوط منه أو ردعه أو تسليمه للسلطة إن خالف القانون. أما «الغباء» فهو مصطلح تستخدمه بعض الأدبيات الأكاديمية لتوصيف حالة مختلفة. المؤرخ كارلو سيبولو كتب مقالا شهيرا بعنوان: «القوانين الأساسية للغباء الإنسانى». فى هذا المقال نجد أنفسنا أمام معضلة أن البشر يميلون دائما إلى عدم تقدير حجم غباء الإنسان الغبى. أى أنه دائما ما «يفاجئنا بسلوكيات ما كنا لنتصور أن يأتى بها إنسان أصلا»، وفقا لإحدى تعبيراته، لأننا دائما نفترض أن عقله فى رأسه وأن هناك حدا أدنى من قدرة على الاستدلال السليم متوافرة له بحكم كونه إنسانا. والأخطر من ذلك أن الشخص الغبى يمكن أن يسبب كوارث مهولة للآخرين دون أن يجنى هو أى مكاسب شخصية، وهو ما يجعلك لا تستطيع أن تميزه مقارنة بالكاره، لأن ذلك الأخير يتحرك لمصلحة ما يراها. بل الأسوأ أن الإنسان الغبى قد يتسبب لك فى خسائر مهولة ولنفسه كذلك، ولا يوجد لديه أى إحساس بالذنب لأن غباءه يقف حاجزا بينه وبين إدراك حقيقة فعله وما ترتب عليه من خسائر. يا رب لا تجعل مصائرنا، مسلمين ومسيحيين، بيد من خف عقله وضل سعيه وهو يحسب أنه يحسن صنعا.