تزامنا مع احتفالات عيد القيامة، البابا تواضروس يترأس قداس خميس العهد    بالأسماء، وزير الداخلية يأذن ل 21 مواطنا بالحصول على الجنسيات الأجنبية    «بحر البقر».. أكبر محطة بالعالم لمعالجة الصرف الزراعى بسيناء    رئيس الوزراء يُهنئ البابا تواضروس الثاني بعيد القيامة المجيد    المشاط: استمرار التنسيق بين الجهات الوطنية والاتحاد الأوروبي لدفع جهود الإصلاح الاقتصادي    «الإسكان»: جاري تنفيذ 64 برجاً سكنياً و310 فيلات بمشروع «صواري»    رئيس الوزراء يبحث مع شركات كوريا الجنوبية سبل تعزيز استثماراتها في مصر    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    وزير التعليم العالي يستقبل مدير المجلس الثقافي البريطاني لبحث آليات التعاون المُشترك    عمومية QNB الأهلي توافق على تغيير الاسم التجاري للبنك    شيخ الأزهر ينعي الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    جيش الاحتلال يقصف مسجد القسام في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    سفير روسي: اتهامات أمريكا لنا باستخدام أسلحة كيميائية «بغيضة»    غضب الله.. البحر الميت يبتلع عشرات المستوطنين أثناء احتفالهم على الشاطئ (فيديو)    الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني وتدمير 12 طائرة مسيرة كانت تستهدف مناطق في العمق الروسي    تفاصيل جلسة جوميز مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة البنك الأهلي    بايرن ميونخ يكشف حقيقة اتصالات ريال مدريد لضم ديفيز    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع خادم دياو بديل معلول    صباحك أوروبي.. حقيقة عودة كلوب لدورتموند.. بقاء تين هاج.. ودور إبراهيموفيتش    حالة الطقس اليوم الخميس.. أجواء معتدلة على أغلب الأنحاء    تفاصيل مصرع سيدة ونجاة زوجها في حريق شقة بحلوان    تحرير 11 محضرًا تموينيًا لأصحاب المحال التجارية والمخابز المخالفة ببلطيم    العثور على جثتي أب ونجله في ظروف غامضة بقنا    مصرع طالب صدمته سيارة مسرعه أثناء عودته من الامتحان ببورسعيد    أخصائية تربية تقدم روشتة لتقويم سلوك الطفل (فيديو)    الفنان ياسر ماهر ينعى المخرج عصام الشماع: كان أستاذي وابني الموهوب    هل توجد لعنة الفراعنة داخل مقابر المصريين القدماء؟.. عالم أثري يفجر مفاجأة    تامر حسني يدعم بسمة بوسيل قبل طرح أغنيتها الأولى: كل النجاح ليكِ يا رب    بعد أزمة أسترازينيكا.. مجدي بدران ل«أهل مصر»: اللقاحات أنقذت العالم.. وكل دواء له مضاعفات    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال أبريل 2024    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    أوستن وجالانت يناقشان صفقة تبادل الأسرى والرهائن وجهود المساعدات الإنسانية ورفح    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس تحذركم

ثورة المحرومين فى تونس لم يعد ممكنا تجاهلها، بعدما فرضت نفسها على نشرات الأخبار والصفحات الأولى فى الصحف العربية، وأعادت إلى الأذهان مشاهد انتفاضة الخبز التى شهدتها البلاد فى عام 1984. وانتفاضة أهالى مدينة «قفصة» فى الجنوب فى مطلع عام 2008، وإذا كانت السلطة قد نجحت فى تطويق الانتفاضتين وسحق المشاركين فيهما، فإن الوضع مختلف هذه المرة من أكثر من وجه.
من ناحية لأن رياح الغضب والسخط لم تقف عند حدود الوسط والجنوب وهى المناطق الأكثر تخلفا والأشد معاناة من الفقر والبطالة، لبعدها عن مدن الساحل فى الشمال التى حظى بقسط أوفر من الاهتمام لأنها مقصد السياح ومراتع الأغنياء، وذوى النفوذ. فقد خرجت المظاهرات فى مختلف أنحاء البلاد، ووصلت إلى العاصمة ذاتها حيث التحقت بها نقابات عدة شملت قطاعات التعليم والبريد والأطباء وغيرها. واحتل المتظاهرون مقر الاتحاد التونسى للشغل وأضرموا النار فى مقار الحزب الدستورى الحاكم، من ناحية ثانية، لأن اتساع موجة الغضب فاجأ الأجهزة الأمنية التى عجزت عن قمعها.
الدليل على ذلك أنها مستمرة فى ولاية سيدى ابوزيد منذ 14 يوما تقريبا. ولاتزال شرارتها تنتقل من ولاية إلى أخرى. من ناحية ثالثة، فإن الذى أطلق شرارة الانتفاضة لم تكن القوى السياسية ولكنها الجماهير التى فاض بها الكيل، فخرجت إلى الشوارع معربة عن السخط والغضب، ومتحدية قوات الأمن الذى قتلت منها أربعة أشخاص حتى الآن، وغنى عن البيان أن الغاضبين لم يخرجوا إلى الشوارع إلا بعد أن طحنهم البؤس واستبد بهم اليأس. الأمر الذى دفع شابا إلى الانتحار بإلقاء نفسه فى بئر. وانتحر آخر بأن تسلق عمود كهرباء وصعق نفسه لكى يضع حدا لمأساته.
طوال السنوات التى خلت سمعنا فى تونس عن أزمة النظام مع منظمات حقوق الإنسان، ومع القضاة والمحامين، ومع الناشطين السياسيين، ومع الإعلاميين، لكن الذين خرجوا إلى الشوارع هذه المرة لم تكن لهم صلة بكل هؤلاء، وإذا كانوا من عامة الناس الذين لا يجمع بينهم أى لون سياسى، بل ليسوا منخرطين فى السياسة أصلا. وإنما جمع بينهم الفقر المدقع واليأس من المستقبل، فى ظل استشراء الفساد فى البلاد واستئثار فئة قليلة من المحيطين بالرئيس والمنتفعين من وجوده. وهم الذين انقضوا على ثروة البلاد ونهبوا خيراتها منذ تولى السلطة فى عام 1987، وقد تحدث عن ذلك الملف بالتفصيل كتاب صدر مؤخرا فى باريس، وتطرق إلى أمور عائلية لا نستطيع الحديث عنها فى الصحافة العربية.
انتفاضة الفقراء والمحرومين أسقطت القناع عن الوضع القائم هناك، ولفتت الانظار إلى حقيقة «المعجزة التونسية» وحالة البؤس والقمع التى يعيش فى ظلها الناس هناك، الأمر الذى أشاع بينهم اليأس بتداعياته الخطرة التى استصحبت زيادة فى معدلات الجريمة وانتشارا للعنف وتفككا اجتماعيا تعددت مظاهره. وهى الصورة التى نجحت حملات إغواء بعض الإعلاميين فى إخفاء معالمها عن العالم الغربى على الأقل.
فى حين أن حقائق الوضع فى تونس معلومة للجميع فى العالم الغربى، حيث لم تتردد الصحف الفرنسية فى متابعة ورصد ما يجرى هناك لأسباب تاريخية معروفة. ساعد على ذلك أن المعارضين التونسيين الذين افلتوا من القبضة الحديدية الممسكة بمقاليد الأمور فى بلدهم أصبحوا يجدون فى باريس ملاذا لهم وهناك تكلموا وأطلعوا الرأى العام على الحقائق المسكوت عنها هناك، وكتاب «مواطنون تحت الحصار» من نماذج توثيق بشاعة القمع وأساليب تدمير الحياة التى يتعرض لها الناشطون السياسيون.
ما حدث فى تونس لا يهمنا فقط لأنه حاصل فى قطر عربى شقيق يحزننا أى بلاء ينزل به، ولكنه يعنينا أيضا لأنه يبعث إلى عناوين عربية عدة برسالة ينبغى أن تقرأ بعناية. خلاصة الرسالة أن الاستبداد إذا كان قد أريد به حماية أى نظام، فإنه قد يطيل من عمره لكنه لا يضمن له البقاء والاستمرار مهما طال أجله. وهو فى كل أحواله يعتبر الأجهزة الأمنية سنده وركيزته الأساسية (لا تنس أن العمل العربى المشترك الوحيد الذى تحمست له تونس هو احتضان اجتماعات وزراء الداخلية العرب).
والاستبداد والاحتماء بالأمن يوفران التربة لاستشراء الفساد. الذى تصبح الجماهير ضحية له فى نهاية المطاف. وكلما استمر الاحتكار وتمكن الفساد ازدادت معاناة الناس وتضاعف بؤسهم وتلك مقدمات لاحتمالات الانفجار والفوضى، التى تصبح خيارا قويا مطروحا فى ظل مناخات القمع ومصادرة الحريات.
لئن كان ذلك حاصلا فى تونس الآن، إلا أن الأزمة لها نظائرها فى الأقطار العربية الأخرى التى يعرفها الجميع، وهى التى مازالت تئن تحت وطأة تحالف الاستبداد مع الفساد، الذى يتخفى تحت قناع ادعاء التزاوج بين السلطة والثروة، لست واثقا من أن أهل ذلك التحالف قد استلموا الرسالة، لكن الذى لا شك فيه أنها أشهرت وعممت على مختلف الصحف، لعل المعنيين بها يقرأونها ويعون درسها.
جريدة الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.