«ثقافة الاحتكار».. تبدأ فى كثير من الأسر حين يحتكر الأب أو الأم أو الكبير كل الحقيقة، ويرفضون فتح باب الحوار والنقاش لأفكار وآراء أبنائهم، وتأتى المؤسسة التعليمية لتكرس «التلقين» فتقتل الإبداع لدى البراعم الشابة.. ثم يأتى المجتمع المتخلف مكرساً «للاحتكار السياسى» فى الخضوع لحكم الفرد الواحد، وحكم الحزب الواحد، والترويج للرأى الواحد ليتفشى فى المجتمع الامتثال، والقهر، وقلة الحيلة، لنصل إلى «الدولة التسلطية».. التى تقوم على احتكار السلطة والقوة والثروة لعدد محدود من المقربين والحاشية أو العائلة، ولاستمرار هذا الوضع يتم قمع الرأى الحر، وإقصاء كل صوت يتجاوز هامش الحرية الممنوح من الحاكم وأتباعه! ومعروف أن «الاحتكار» يبطل المنافسة السياسية التى من المفترض أن تنعكس إيجاباً على الشعب، من حيث احترام وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية، والسعى لتحقيق إنجازات حقيقية تعود على عامة الناس بالرفاهية، والأمل فى مستقبل أفضل.. وعلى أبطالها بالشعبية الواعية، وزيادة رصيد الحزب السياسى الذى يمثلونه!! و«الاحتكار السياسى».. يجعل «المحتكرين» فى مأمن، لا يهابون بما يقترفون من خطايا أو حتى جرائم فى حق الوطن، وفى مجتمعاتنا المتخلفة مع تكريس «احتكار السلطة»، أصبحت مراكز اتخاذ القرار (المناصب العليا) سلعاً يتطاحن عليها الواصلون والقادرون على الاستيلاء عليها لاحتكارها واستثمارها لمصالحهم الشخصية (إلا قليلا).. وكلما علا شأن «المنصب» زادت حساسية العلاقة بين الموقع وشاغله ليتحول فى النهاية إلى «ملكية» ثم إلى «حرمة» تستفز لدى سيدها ليس فقط غريزة الحماية، ولكن مشاعر الغيرة من كل منافس محتمل!! وفى «الحالة المصرية المستعصية».. رأينا فيما سموه بانتخابات «مجلس القبة» كل أشكال وأنواع التزوير، من بلطجة وشراء للأصوات، ومنع لمندوبى المستقلين والأحزاب، واستخدام سافر لكل إمكانات الوزارات المرشح وزيرها، بعد تنحية القضاء، ومنع التصوير، وإرهاب أصحاب القنوات الفضائية الخاصة، واستبعاد الإشراف الدولى بحجة السيادة، والأهم: بعد أن «خدرونا» بالوعد الرئاسى، حينما صدقنا رئيس الحزب الذى هو رئيس الجمهورية بأن هذه الانتخابات ستكون نزيهة، وحرة، وشفافة!! لم نكن نعلم أن أمين التنظيم وشركاه أصبحوا أقوى من «وعد» الرئيس، وأن الحرس الجديد مع الحرس القديم اتفقوا علينا، اتفقوا على احتكار كل السلطات.. السلطة التنفيذية تابعة للحزب.. والآن ستصبح السلطة التشريعية تحت الإذن والأمر والطاعة وبلا أدنى مقاومة، والسلطة القضائية ركنوها على جنب.. ليصبح النظام هو القاضى والجلاد!! وبكل استفزاز.. وقف أمين التنظيم فى حراسة الأمين العام، وأمين الإعلام ليعلن (دون أن يهتز له رمش) أن نتائج الانتخابات لم تكن مفاجأة للحزب، وأن استطلاعات الرأى التى «افتكسها» سيادته قبل الانتخابات بأشهر قد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحزب سيحصد كل مقاعد النواب المحترمين، كما أثبتت لهم «بالاسم» من هو المرشح الناجح بكل دائرة، وعدد الأصوات التى سيحصل عليها.. ولهذا لم يندهش أحد من «قادة» الحزب بحصد 97٪ من الكراسى فى الدورة الأولى، وأن الوضع لن يتغير فى الإعادة!! وهنا يفرض السؤال نفسه: لماذا ألغيتم الإشراف القضائى؟.. ولماذا رفضتم الإشراف الدولى؟.. ولماذا منعتم مناديب المنافسين؟.. ولماذا استعنتم بالبلطجية والمسجلين خطر؟.. ولماذا دفع كثير من مرشحيكم ثمنا نقدياً أو عينيا لشراء الأصوات؟.. ولماذا استخدم الوزراء سيارات وإمكانات وزارتهم للدعاية؟.. والأهم: لماذا أهنتم مصداقية رئيس الحزب، ولم تحترموا وعده للشعب.. طالما أنكم بهذه الشطارة والعبقرية وقراءة الطالع؟! والسؤال الأخير: بعد أن وقعت الفاس X الراس، وأصبحت فضيحتنا بجلاجل، ومرمغتم صورة مصر فى التراب.. ما هو الحل؟ الحل الوحيد فى يد رئيس الجمهورية.. بأن يقوم بواجبه، ويمارس حقه الدستورى كحكم بين السلطات، وكرئيس لكل المصريين، ويصدر قراراً جمهورياً بإعادة هذه «المهزلة»، وتحت رقابة دولية، وإشراف قضائى، وبكل شفافية، و«على عينك يا تاجر»، طالما أن مخططى الحزب واثقون ومتأكدون من نجاح الحزب ب97٪، أو حتى ب70٪، وبهذا يضرب الرئيس أكثر من عصفور بحجر واحد: 1- يستعيد مصداقيته أمام شعبه. 2- شرعيته فى الترشح للانتخابات الرئاسية هو أو جمال ستصبح مؤكدة وغير مشكوك فيها. 3- بما أنها ربما تكون آخر انتخابات نيابية تجرى فى عهده، فليجعلها مسك الختام، وحاجة نتذكرهم بها. 4- سيظهر نظام الحكم فى مصر أمام العالم بصورة أفضل، ولن يستطيع أى حاكم جمهورى أمريكى بعد أوباما أن يقول ثلث الثلاثة كام فى هذا الشأن، بدلاً من تعرض النظام لانتقادات، وضغوط، وربما تصل الأمور إلى ما لا يحمد عقباه فى ظل رئيس أمريكى جديد!! 5- نستعيد بعضا من كرامتنا التى دفنوها فى الوحل، لدرجة جعلت كل مصرى غيور يخجل من مصريته، ويفقد أى أمل فى الإصلاح!! ملحوظة: ألف ألف مبروك لدويلة قطر التى رفعت رأس العرب، وتفوقت على أمريكا وغيرها «بملف» حاز على إجماع المصوتين، بعد أن تفرغ أميرها، وحكومته لرفعة شأن وطنهم، ليجعلوا من «الدوحة» نموذجاً رائداً للعمل والتخطيط والتنظيم والإنجاز والتفوق.. وبهذه الوتيرة ستصبح قطر خلال عشر سنوات «منارة» و«قاطرة» للعالم العربى.. فى ظل «الغيبوبة»، و«الشلل»، والتجلط، والصراع على الكرسى الكبير، الذى تسبب فى معظم ما جرى لنا!! وهذا هو الفارق الهائل بين من يحبون أوطانهم، وبين من أدمنوا «مص دم» شعوبهم!! ويبقى السؤال الحائر: من المسؤول؟.. الشعب أم النظام؟ المصرى اليوم