بعد الحصول علي عقد الامتياز أسس قطاوي وسوارس ومنشه واولادهم شركة مساهمة برأسمال بلغ 120 ألف جنيه مصري قسمت علي 6 آلاف سهم. وبعد تحرير هذا العقد في 30 أبريل 1888 بدأت الشركة في العمل الجدي بإنشاء الخط بين محطتي المعادي وباب اللوق ومواقع محطات ماري جرجس ومصر القديمة التي عرفت فيما بعد بإسم محطة المدابغ والبساتين (التي ألغيت فيما بعد) والمدافن (التي عرفت بمحطة الخليج في وقت لاحق). قامت الشركة أيضاً بمد الخط من المعادي إلي طره والذي لا يزال قائماً حتي اليوم علي عكس الخط القديم الذي كان يمر بمخزن النيل بالمعادي ثم ينحرف منحنياً في اتجاه طره علاوة علي مد الخط من البساتين إلي طره كما قامت الشركة بتوصيل خطي حلوان القديم (القلعة - المعادي) بالجديد (المعادي - طره) كما مدت الشركة الخط بين السيدة زينب ومحطة المواصلة مروراً بعين الصيره وتعديل خط حلوان في المسافة الواقعة بين حلوان والمعصره ومد الخط بين محطة حلوان والنيل وهو الخط الذي عرف قديماً بإسم كفر العلو واعتمدت وزارة الأشغال هذا الخط بعد تقديم الشركة لتصميماته ورسوم الكباري التي سيمر عليها الخط. أنشأت الشركة أيضاً خطوط فرعية للمحاجر بحلوان في عام 1893 ومخزناً لمصنع الاسبرتو بكوتسيكا بين طره والمعصره ومخزن خاص لشركة الأسمنت بالمعصره ومخزن خاص بالمحاجر في منطقة البساتين ومخزن للاحجار عند تحويلة النيل بطره ومخزن أخر للسجون في منطقة القلعه. وصدرت الأوامر العالية باعتبار الاعمال المطلوبة من المنافع العموميه ونزع ملكية المسطحات المذكورة بها ولم تبين أسماء الملاك وكانت تلك الطريقة المتبعة قبل صدور قانون نزع الملكية لعام 1906. تمكنت الشركة من الاتفاق مع بعض مالكي الأراضي ومنهم الأهالي حيث تم تحرير عقود عرفية معهم لتملك أراضيهم بينما لم يوافق بعض نظار الأوقاف علي البيع فتم توقيع عقود تحكير أو إيجار. أما أراضي الحكومة اللازمة للخطوط وملحقاتها، فقد حصلت عليها شركة سوارس وشركاه بالمجان بينما أقيمت المخازن علي أراضي الشركات التي تتبعها. في عام 1899 بدأت الشركة في مد الخط بين باب اللوق والمعادي بعد توقيع العقد وكان الخط مفرداً بين باب اللوق والسيده زينب ومزدوجاً بين السيدة زينب ومحطة الساحل القبلي ثم مفرداً إلي طره ومنها إلي حلوان. وصاحب ذلك إنشاء محطة حلوان في شارع منصور حالياً وكانت تشغل الجزء المواجه لسنترال باب اللوق الحالي ومحطة السيدة زينب وألحق بها ورشة للقاطرات وحوش لتخزين العربات وتنظيفها ومن تلك المحطة كان يتفرع خط عين الصيره - ميدان القلعة وهو الخط الذي اخترق سور مجري العيون عند منطقة السلخانه ولا أثر لهذا الخط في يومنا هذا. تم أيضاً إنشاء محطات ماري جرجس والمدابغ والساحل القبلي ومحطة المعادي الحالية. كما أنشأ أصحاب الامتياز مخزن لمحاجر عين الصيره. وتجدر الإشارة هنا إلي أنه كانت تسير علي الخط بين باب اللوق - السيده - عين الصيره في أيام الأعياد والمواسم أما باقي أيام السنه فاقتصر استخدام هذا الخط علي نقل البضائع والقاطرات إلي عنابر بولاق عن طريق الخط الممتد إليها عن طريق العباسية بداية من محطة السيده زينب. ثم أنشأت خط العلو ومخازن المحاجر ومخازن كوتسيكا ورصيف الدستور وشركة الأسمنت بالمعصره أي أن الشركة قامت بتنفيذ كافة الخطوط التي التزمت بها ما عدا توصيل خط البساتين بخط باب اللوق عند محطة المعادي. روعي في حالة مباني المحطات أن تكون اقتصادية والواقع أن تلك المباني التي لا تزال بعض آثارها باقية إلي اليوم تشير إلي تلك البساطة ويكاد المرء يشم فيها رائحة العراقة. كما تجدر الإشارة إلي أن السمافة من باب اللوق وحتي منطقة المدابغ كانت محاطة بسياج من بعض أجزائه من الخشب والبعض الأخر من الطوب بهدف حماية سكان تلك المناطق والعابرين. حرصت الشركة أيضاً علي تصميم مزلقانات يحرسها خفراء يحملون إشارات حمراء وخضراء للحفاظ علي أرواح المارة من القطارات. بلغ عدد تلك المزلقانات 13 حتي حلوان وهي مزلقان شارع الشيخ ريحان ومدرسة المبتديان ومدرسة الطب وفم الخليج وأرض السادات وجامع عمرو وماري جرجس والمدابغ والساحل القبلي والمعادي وطره والمعصره وحلوان. تجدر الإشارة إلي أن الشركة لم تنشئ مساكن للعمال سوي في محطتي السيدة زينب وحلوان كما عملت علي تغذية القطارات بالمياه من خلال شركتي مياه القاهرة وحلوان. لم يستمر الحال علي ما كان عليه خلال تلك الفترة، فبعد عشرين عاما، تم نقل الامتياز إلي شركة سكك حديد الدلتا وحدث ذلك في العاشر من يونيه عام 1904. لم يبق من هذا الخط اليوم الكثير، ولعل أبرز ما تبقي هو مبني محطة بالقرب من كوبري التونسي ومحطة المواصلة التي كانت أولي المحطات التي يقابلها الركاب المسافرين إلي حلوان قبل إنشاء خط باب اللوق. وتجدر الإشارة إلي أن تلك المحطة افتتحها الخديوي اسماعيل في 21 يناير 1877. ومن محطة المواصلة، تم افتاح خط جديد غرباً إلي محاجر عين الصيره. وبعدها بأربعة أعوام، تم توصيل خط إضافي إلي السيده زينب. ومن محطة مواصلة حلوان، تم توصيل خط مزدوج إلي محاجر البساتين ووادي دجله. وربما الخط الرابع والأهم هو الخط الذي أنشأه الخديوي اسماعيل ليصل القطار عبر الصحراء إلي طره حيث كانت توجد مدرسة المدفعية التي أنشأها اسماعيل. ومن طره استمر الخط إلي حلوان. كانت هناك خطوط حديديه أخري تتصل بالخط منها الخط الذي يربط القلعة بباب الحديد (محطة رمسيس حالياً) عن طريق العباسية. ويمر هذا الخط بنفق صخري حفرته شركة جوسمان ودينتامارو للمقاولات. وأتصل هذا الخد أيضاً بميدان صلاح الدين (القلعة) ومن هناك كان من الممكن نقل الركاب عن طريق عربات سوارس التي تجرها الخيول إلي مناطق القاهرة المختلفة. في عام 1889 فقد هذا الخط اهميته الاستراتيجية مع إنشاء خط باب اللوق - حلوان، واقتصر اسغلال خط حلوان الصحراوي علي الأغراض الصناعية والعسكرية. وفي أيام الأعياد، كان الخط الصحراوي يعمل لخدمة الركاب العاديين من زوار المقابر في المنطقة حيث يخترق هذا الخط القديم الكثير من مقابر القاهرة القديمة بما في ذلك مقابرالإمام الشافعي وباب الوزير ومقابر اليهود القديمة في البساتين. والطريف أنه حتي خمسينيات القرن الماضي، كان يتم تسيير قطار ركاب لليهود خلال أيام الأعياد ينتهي بمقابر البساتين لخدمة الجالية اليهودية في مصر. استعاد الخط أهميته العسكرية خلال فترة الحرب العالمية الثانية بين عامي 1939 و1945، عندما وفد إلي مصر عشرات الآلاف من قوات الحلفاء من أستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا حيث أقيمت لهم قواعد عسكرية مؤقتة علي أطراف حلوان والمعادي. وتجدر الإشارة أيضاُ إلي أن هذا الخط اكتسب أهمية كبري خلال ستينيات القرن الماضي مع تحول حلوان إلي منطقة صناعية هامة حيث استخدم الخد لنقل انتاج المصانع إلي القاهرة ونقل المواد الخام إلي المصانع فضلاً عن استخدامه كخط حربي وهو الاستخدام الوحيد للخط حتي يومنا هذا. وبعد الحريق الذي أصاب سوق الإمام الشافعي أوائل هذا العام، تم وقف هذا الخد الحربي عن العمل لحين إتمام إصلاحات في الكوبري العلوي ولم يتم إصلاح هذا العطل أو إعادة تشغيل هذا الخط. نعود الآن قصة نقل امتياز خط حلوان إلي شركة سكك حديد الدلتا ، فلم يكن هذا الانتقال سهلاً حيث تنافس علي امتياز هذا الخط البارون امبان مؤسس صاحية مصر الجديدة الذي أراد أن ينشئ ضاحيته جنوبالقاهرة في منطقة المعادي ورأي أن السيطرة علي هذا الخط ضرورية كي يتوافر للضاحية الجديدة وسيلة مواصلات تجذب الناس للإقامة فيها خاصة وأنه في هذا الوقت لم تكن السيارات والطرق السريعة قد أنتشرت في مصر بالقدر الكافي. في تلك الفترة كان عمر هذا الخط قد بلغ 20 عاماً وكانت شركة المليونير اليهودي فيلكس سوارس هي المسيطرة عليه ولهذا أطلق علي هذا الخد إسم "خط سوارس" بدلاً من الإسم الرسمي وهو شركة سكك حديد ضواحي القاهرة وحلوان. عرض الخطان للبيع وكان المتنافسون علي الشراء هما البارون إمبان وشركته بخلفياتها البلجيكية - الفرنسية أمام شركة سكك حديد الدلتا بخلفياتها اليهودية البريطانية. عرض البارون إمبان شراء الخط نقداً بينما عرضت شركة الدلتا أندماج مع الشركة المالكة للخطين من خلال تبادل للأسهم بين حامليها من الشركتين. بدا العرض الأخير جذاباً خاصة وأن أسهم شركة سكك حديد الدلتا كانت تتمتع بجاذبية في بورصة لندن كما أنها كانت تمتلك في تلك الفترة خط سكك حديديه ضيقه في دلتا النيل بدأ كخط حديدي لنقل القطن الخام من المزارع إلي ميناء الإسكندرية ثم سرعان ما توسع في غضون أعوام قليلة. وتحت رئاسة السير إلوين بالمر الذي عمل في السابق مستشاراً مالياً للحكومة المصرية ومديراً للبنك الأهلي المصري، قامت الشركة بإنشاء شركة الدلتا للاستثمارات والأراضي بنية استغلال وتطوير المناطق المحيطة بخطوط السكك الحديديه. في الواقع كان انتقال الامتياز إلي سكك حديد الدلتا من شركة سوارس أمراً سهلاً خاصة وأن عضوين في مجلس إدارة الشركة وهما موسي قطاوي وجاك منشه كانا يرتبطان بعلاقات مصاهرة مع فيلكس سوارس. وعندما أجتمع مجلس الإدارة في 29 أبريل عام 1904 وافق علي نقل الامتياز من خلال الاندماج مع شركة سكك حديد الدلتا. الذي يدفعنا لذكر هذه التفاصيل هو تأثيراتها القوية علي الحياة في مصر خلال تلك الفترة حيث أسهمت في ظهور ضاحية المعادي بشكلها الحالي كما اسهمت في تعمير المناطق المتاخمة للخط الحديدي. وبشكل غير مباشر، أسهم هذا القرار في اتجاه البارون إمبان إلي شمال القاهرة لإنشاء ضاحية مصر الجديدة. في العشار من يونيه 1904، تنازلت الشركة عن حق امتيازها سواء في استغلال خط حلوان وتوابعه أو استغلال الحمامات الكبريتيه والفندق وميدان سعيد بحلوان. وقامت الحكومة المصرية بالتصديق علي هذا التنازل بقرار صادر من مجلس النظار في 26 نوفمبر 1904. وقد تعهدت شركة سكك حديد الدلتا بصرف مبلغ ستين ألف جنيه لتحسين المنشآت الثابتة والمتحركة في خلال ثلاث سنوات علي أن تسترد الحكومة المصرية الامتياز من الشركة في أول نوفمبر 1909 إن لم تفي الشركة بتعهداتها السابقة. ولأن الشركة قامت بتنفيذ كافة التعهدات المتفق عليها، صار تاريخ الإسترداد الجديد هو أول نوفمبر 1927. وعلي الفور قامت الشركة بمشروع لازدواج الخط الحديدي في المسافة بين محطة الساحل القبلي وطره. مع تغيير القضبان الحديدية والفلنكات وتنظيم الإشارات وإنشاء محطة المعادي بشكلها الجديد بدلاً من المحطة القديمة وإضافة قاطرتين و4 عربات درجة أولي و4 عربات درجة ثانية و122 عربة لنقل البضائع. قامت شركة الدلتا بمد مخازن فرعية بمحطة المدابغ ومخزن السباخ بخط عين الصيره ومخزن النيل بالمعادي وخازن أخري للمحاجر بحلوان. أستمرت الشركة في استغلال هذا الخط إلي أن رأت أنه من مصلحتها التنازل عن هذا الخط للحكومة وبالفعل وقع الطرفان اتفاقاً في عام 1914 دفعت الحكومة بموجبه 90 ألف جنيه لشركة سكك حديد الدلتا منها 20 ألف جنيه تعويضاً عن الحمامات الكبريتيه وميدان سعيد بحلوان ومشتملاته والفندق. وبالفعل شكلت الحكومة لجان لحصر العقارات الثابتة والمتحركة التابعة للخط وتم تحرير محاضر ورسومات وقع عليها الطرفان وأرفقت بالعقد الذي استردت الحكومة بموجبه خد حلوان قبل الموعد المقرر بحوالي 12 عاماً. في عام 1914، بدأت الحكومة بالاتفاق مع شركة الدلتا في تعديل الخط خاصةً عند منطقة المعصرة وازدواج الخط بين طره وحلوان وشراء بعض أراضي الوقف التي كانت تؤجر للشركات السابقة مع استلام أرض من أملاك الميري بطره لنقل ورشة الوابورات إليها من محطة السيدة زينب مع إنشاء بعض أكشاك البلوكات الجديدة وتحسين القديم منها.