لما أثار بعض نواب مجلس الشوري في الأسبوع الماضي موضوع القبض علي «رجل مهم» في وزارة الإسكان بتهمة الرشوة من رجال أعمال لتسهيل تخصيص مئات الأفدنة لهم من أراضي الدولة!، كان من أهم ما أثاره النواب أنهم «لم يروا يوما وزيرا يلقي القبض علي أحد المشتبه في انحرافهم داخل وزارته»!، كان تعليق وزير الإسكان علي هذا «أن الوزراء يكونون الأكثر سعادة عندما يتم ضبط شخص تجاوزت تصرفاته حدود الشرعية«!، وأضاف الوزير «إلي أنه يعتبر قيام الرقابة الإدارية بإلغاء القبض علي أحد المسئولين في وزارة الإسكان وساما علي صدر الجهات المعنية»، وقد رأيت أن تحية الوزير لهذه «الجهات المعنية» تحية واجبة لم ينسها الوزير في زحمة وضجة الفضيحة!، دون أدني مسئولية علي الوزير ووزارته، فعليه أن يختار المعاونين كيفما شاء!، وعلي «الجهات المعنية» أن شوف شغلها الذي يدخل السعادة علي الوزير وحيث من أسباب سعادته أن تقوم هذه الجهات المعنية بالتجهيز والإعداد لكشف الفضائح عن الفساد والرشوة!، وقد تأكد لي أن الوزير أحمد المغربي - الذي لم يسبق له تولي أي منصب وزاري من قبل - قد أصبح وزيرا «محترفا» يقول في كل مقام ما يجب عليه قوله !، فها نحن نراه «ماقصر» في موقفه الوزاري الذي له أن يختار الرجال من أقرب معاونيه، يسقط بعضهم في قبضة الأجهزة المعنية فلا جناح عليه!، وليس من وظائفه - شأن كل وزير - أن يطارد أو يتحري موقف أي من معاونيه القريبين!، بل له فقط أن يحصد «أسباب السعادة» التي لا تتوفر له إلا عند ضبط أي معاون منحرف!. تماما - تماما ما حدث عندما ضبط أقرب معاوني وزير الثقافة في منتصف عام 2007 متلبسا بالرشوة التي درج علي تقاضيها مع نفر من زملائه ممن أطلقت أياديهم في أعمال ومشروعات للوزارة تجاوزت تكاليفها مئات الملايين!، فقد كان واضحا أن وزير الثقافة كان بالغ الحزن وقتها علي المصير الذي آل إليه المعاون القريب!، وأتذكر أنه قد أعلن «أنا مستعد لذبح فلان إذا ثبت أنه مرتش»!، وكان الوزير وقتذاك يسأل الجميع أن يتمهلوا حتي يقول القضاء كلمته، كما أكد الوزير «ليس لي علاقة بقضية فلان، وكل واحد متعلق من عرقوبه»، وقد فاجأ القضاء المصري الجميع كما فاجأ الوزير بالحكم بالسجن عشر سنوات علي المعاون القريب!، بل أكدت الحيثيات أنه قد ثبت في حق المعاون تعدد المفاسد بما فيها الرشوة!، فلما انتهت القضية بالحكم كان الكثير من الناس لا يتصور أن تظل مسئولية أي وزير منتهية كلما انفجرت فضيحة من عيار ما حدث في وزارة الثقافة وما وقع مؤخرا في وزارة الإسكان!، حيث إن المعاونين القريبين هم من اختيارات الوزراء دائما!، وفي حالة قضية الفساد في وزارة الثقافة كان المعاون القريب حديث العهد بالتخرج الجامعي والعمل الوظيفي!، ولكن حظوته لدي الوزير قد جعلت منه رجلا مهما وصاحب كلمة نافذة في أمور المشروعات المهمة!، فكيف يستقيم هذا مع تقديم المعاون القريب علي الجميع عندما يكتشف أنه عير مؤتمن لا علي الأموال العامة ولا علي ثقة الوزير!، وفي حالة فضيحة وزارة الإسكان فإن المعاون القريب قد انطلق بسرعة الصاروخ في الوزارة حتي أصبح مساعدا لنائب الوزير وعمره لم يتجاوز 43 عاما !، مما أتاح له تكوين هذه الشبكة من السماسرة والمنتفعين، وانتهي به الأمر - عند انفجار الفضيحة - أنه قد أصبح مالكا لقصر في حدائق المهندسين بمدينة أكتوبر!، ولديه حسابات وأرصدة بعدة بنوك!، وكل هذا قد أثلج صدر الوزير المغربي وملأه بالسعادة حيث عكفت الجهات علي شغلها حتي ضبطت المعاون القريب متلبسا!، وقد يسألني قاريء عما إذا كان عندي فكرة عن كيفية اختيار الوزراء لأقرب معاونيهم، وكل ما أستطيع الإجابة به أن هذا الاختيار له شئون متعددة لا يعلمها غير الوزير!، وقد صادفت ذات يوم في الثمانينات تقريرا سريا للغاية لجهة رقابية معتبرة يفيد بتحريات مذهلة عن شخص انعقدت نية وزارته علي ترقيته وكيلا للوزارة، ولم تترك التحريات نقيصة إلا ونسبتها لهذا الشخص!، الذي أصبح رغم كل ذلك وكيلا للوزارة!.