قررت ادارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الرابع والثلاثون الذي يقام في الفترة من 30 نوفمبر إلي 9ديسمبر، ان تختص هذا العام بالأفلام التي قدمت عن مصر، واطلقت برنامجاً بعنوان«مصر في عيون سينما العالم»، وهو اختيار غريب أو بدي كذلك، فالمعروف ان المهرجان كان قد اعتاد في السنوات الاخيرة ان يحتفي بالسينما في دولة ما، فكان الاحتفاء بالسينما الايطالية والفرنسية وسينما امريكا اللاتينية وهكذا، من اجل القاء الضوء عليها والتعريف بها بعد ان اصبحت السينما الامريكية صاحبة الكلمة الاولي والاخيرة في صالات العرض والقنوات الفضائية، اما مسألة اختيار «مصر» كما قدمت في أفلام اجنبية، فأن الأمر يدعو للتساؤل:لماذا؟.. وماذا يهدف المهرجان من ذلك؟!.. اعترف انني في البداية لم ترقّ لي الفكرة، وخاصة أن المهرجان اعتبرها العنوان الرئيس لهذه الدورة، وليس مجرد برنامج هامشي، ولكني قلت لنفسي: ما المانع؟!.. فما دام المهرجان قد اختار هذه الفكرة، فمن المؤكد أن لديه ما يريد أن يقوله أو يطرحه!.. وفي الاسبوع الماضي عقد اجتماع «اللجنة الاستشارية العليا» التي اتشرف بعضويتها، والتي كانت تعقد كل عام برئاسة الفنان فاروق حسني وزير الثقافة علي اساس أن الوزارة هي التي تقيم المهرجان ولكن لم يحضر هذا العام.. المهم أنه في هذا الاجتماع يتم الاعلان عن البرنامج الكامل للمهرجان، وتحدث مناقشات بهدف تحقيق أفضل صيغة لتنظيم المهرجان، وبالطبع تم الاعلان عن الأفلام التي سوف تعرض في البرنامج الرئيسي«مصر في عيون سينما العالم» ، وهي تتمثل في 12 فيلماً قدمت منذ عام 1946، وحتي 2009، والقراءة السريعة لأسماء الأفلام لاتجعلنا نضع أيدينا علي خطوط واضحة لاختيار هذه الأفلام بالتحديد!. فمثلا من بين الافلام المختارة الفيلمان المكسيكين «بداية ونهاية» «وزقاق المدق» وهما مأخذوان عن روايتين شهريتين للأديب العظيم نجيب محفوظ، وبكل تأكيد فإن نجيب محفوظ مصري، ولكن الفيلمين ليس لهما أي علاقة بمصر، فالاحداث والشخصيات مكسيكية، فهل جاء اختيارهما للدلالة علي ان الادب المصري قد قدم في أفلام اجنبية؟!.. أما بقية الأفلام فقد تم تصوير بعضها بالفعل في مصر مثل«وادي الملوك» اخراج روبيرت بيرو عام 1954، أو «اليقظة» اخراج مايك نوبل1980، وهذا الفيلم شارك بالعمل فيه مخرجنا الراحل عاطف الطيب، ولكن هناك أفلاما ايضاً لم تصور في مصر، أو علي الاقل:لماذا اختارت ادارة المهرجان هذه الأفلام لتقدم«مصر» في عيون سينما العالم؟. ولا شك أن هناك أفلاما شديدة الأهمية كانت تستحق ان تعرض في هذا البرنامج مثل«الوصايا العشر» اخراج سيسل دي ميل، او «القاهرة» الذي لعبت بطولته فاتن حمامة، أو «ابو الهول» الذي كان مخرجنا الكبير سمير سيف مساعد اول للاخراج فيه مع المخرج فرانكلن شافز، أو فيلم «أرض الفراعنة» وغيرها. ما اريد أن اشير اليه، ان المهرجان مادام قد اختار عنوانه الرئيسي عن«مصر»، كان يجب ان يفصح عن الخطوط العريضة التي يريد ان يطرقها سواء بالمعلومات أو عمل احصاء للأفلام التي قدمت عن مصر، أو التي تم تصويرها في مصر، أم انه يريد ان يدخر هذا لفترة انعقاد المهرجان؟!. عموماً سوف نري كيف تكون هذه الاحتفالية، وهل هي مجرد عنوان أم دراسة حقيقية لكيفية ظهور مصر في «عيون»السينما العالمية؟.. وبين ندوات المهرجان تم الاعلان عن ندوة بنفس العنوان فهل تم الاعداد لها بشكل جيد ومن خلال ضيوف متميزين ومتخصصين لمناقشة هذه القضية؟!. اطرح كل هذه الاسئلة لان موضوع تقديم موضوعات عن مصر سواء الفرعونية او التي يكون النيل او القاهرة طرف اساسيا فيها، أو حتي مصر المعاصرة، والتي تصور في مصر تواجه تعنت كبيرا من المسئولين في مصر، مما جعل الأفلام الاجنبية تتجنب وتخاصم التصوير عندنا، وتختار المغرب أو تونس كبديل، وواقعة «يد» الرقيبة التي وضعت امام كاميرا التصوير لانها ترفض المشهد يرويها السينمائيون المصريون كحادثة مؤسفة مضحكة، أما ما كان يحدث من الجمارك فحدث ولا جرح، ثم يأتي تعنت نقابة السينمائيين، ويقال إن رفض مصر لتصوير الأفلام الاجنبية كان أصلاً قرارا سياسيا صدر في الستينات.. وفي الفترة الاخيرة حاول الناقد يوسف شريف رزق الله عندما عمل في مدينة الانتاج الاعلامي ان يجتذب الأفلام للتصوير في مصر، ولكن النتائج جاءت محدودة للغاية.. ولا شك أن مصر خسرت كثيراً نتيجة عدم تصوير الأفلام الاجنبية سواء علي مستوي الصناعة أو علي المستوي الاقتصادي الذي جعل دولة مثل المغرب تعتبر تصوير الأفلام في اراضيها من العائدات الاقتصادية المهمة، والتي جعلها تنشط سينمائياً.. من هنا فإن مهرجان القاهرة يصبح عليه دور مهم وهائل في رصد وتحليل والخروج بتوصيات قابلة للتنفيذ، وتحديد المعوقات، والجهات التي تتعمد وتعوق تصوير الأفلام في مصر.. ولو كان هذا هدف مهرجان القاهرة الرئيسي من اختيار هذه العنوان موضوعاً لدورته القادمة بعد أيام، فإن الامر يستحق الاهتمام والتحية. تبقي نقطة اخيرة، فقد قال لي د. اشرف زكي نقيب الممثلين ان موضوع المعوقات التي جعلت الأفلام الاجنبية تهرب من التصوير في مصر، قد تم طرحه في لقاء الرئيس حسني مبارك مع الفنانين، وأنه طلب من وزير الثقافة اعداد ورقة لازالة هذه المعوقات.. ولا شك أن الإستفادة الكبيرة من تصوير الأفلام الاجنبية في مصر سواء ادبياً أو اقتصادياً لمصر، أو لصناعة السينما فيها سوف يمثل استثماراً هائلاً، واضافة حضارية تاريخية ومعاصرة لمصر في «عيون»سينما العالم.