فكرة فيلم «عائلة ميكي» مأخوذة عن فيلمين مصريين ناجحين، الأول هو «عيلة زيزي» إخراج فطين عبدالوهاب، حيث تم اقتباس الاسم واستنساخ مسألة وجود أسرة من الطبقة المتوسطة يعيش كل أفرادها في صراع مع أنفسهم من أجل المستقبل، ووجودهم معا في الأسرة يأتي استعراضاً للحياة في هذه الفترة.. والفيلم الثاني «امبراطورية ميم» حيث اسماء كل أفراد «عائلة ميكي» علي حرف الميم، وحيث دور الأم هنا أكبر وأعمق في صراعها مع الاستقلال الذي يريده ابناؤها.. والفيلم للأمانة لا يخفي مصادر قصته أو فكرته.. وعموما لا يمثل هذا إيجابية في حد ذاته، فالمهم أن نعرف لماذا عاد صناع الفيلم لقصة قديمة عمرها 50 سنة! أول شيء يتبادر للذهن هو أن صناع «عائلة ميكي» قرروا خوض تجربة مذهلة، تتمثل في رصد التغيرات التي حدثت في مصر والأسرة المصرية التي تعيش في العاصمة، والتي تعتبر عنوان الطبقة المتوسطة، خاصة أن السيناريست عمر جمال والمخرج أكرم فريد اختارا أعمار أبناء هذه الأسرة بين مرحلتي الشباب والطفولة، فالابن الأكبر حديث التخرج وهو ملازم أول في أحد أقسام الشرطة، والثاني في كلية الهندسة، والابنة في المرحلة الثانوية، أما الابن الرابع فهو في المرحلة الاعدادية، وأصغر الابناء في المرحلة الابتدائية، ولا شك أن اختيار هذه المراحل العمرية أمر ملفت ويتطلب مهارة خاصة في رصد أفكار وسلوكيات كل مرحلة.. أما الأب «أحمد فؤاد سليم» فهو ضابط برتبة لواء في وزارة الدفاع، والأم «لبلبة» موظفة في الشئون القانونية بالحكومة.. إننا أمام أسرة من الطبقة المتوسطة بامتياز سواء من خلال عمل الأم والأب أو من خلال تعليم الابناء وتفوقهم فالاول ضابط والثاني يدرس الهندسة. وجديد فيلم «عائلة ميكي» أنه يقدم شخصيات بين الطفولة والشباب لاتكاد تعرفها أو تقترب منها الافلام المصرية منذ زمن طويلة، كما أنه يجعلنا أمام حالة الاسرة المصرية في نهاية العقد الاول من القرن الجديد.. فكيف تعامل الفيلم مع هذه العائلة؟! للاسف الشديد جاءت المعالجة تحمل الكثير من الخفة لعدم وجود رؤية واضحة أوحتي قصة واضحة تدور من خلالها الاحداث، أما الشخصيات فهي بلا ملامح وفقيرة الابعاد وليست هناك مبررات لما تقوم به من أفعال أو ردود أفعال، فمثلا الابن الاكبر ضابط الشرطة لا يحب مهنته ويتصرف برعونة بلا أي أسباب واضحة، ويعمل بلا مبالاة ويكذب علي أمه ويخوض في علاقة غرامية تجعله يتصرف بحمق، فيأتي بفتاة الي بيت أسرته ليمارس معها الغرام «!!».. أما الابنة «إيريني فادي» فهي تشعر بأنها أقل جمالا من زميلاتها فتحاول أن تقيم أي علاقة مع أي شاب، وتكون وسيلتها الانترنت والمحمول «أدوات العصر» وتتجاسر فتجعل مكان لقاء الشاب الذي لم تره من قبل في منزل الاسرة ليطارحها الغرام «!!».. أما الابن الذي يدرس الهندسة «عمرو عابد» فهو لا يذهب إلي الكلية اصلا ورسب لعامين متتاليين لانه مشغول في لعب «البلاي ستيشن» ولا أسباب أخري.. ياسلام!.. والابن الثالث الذي هو في الاعدادية يتم اعداده ليصبح «فتوة»، أما أصغر الابناء «ميكي» الذي هو بديل «زيزي» في فيلم فطين عبدالوهاب فهو عدواني بلا سبب ومع الجميع!.. ورغم أن الحال هكذا، فإن دراما الفيلم إذا كان هناك دراما تحاول أن تقدم لنا الأم في شكل مثالي فهي التي ترعي الجميع بتفان، ويبقي الأب المنشغل في عمله ويعتقد أنه استطاع تكوين أسرة مثالية ويؤكد هذا المعني أن أسرته يتم ترشيحها لتصبح الأسرة المثالية، لكن أصحاب هذا الاستفتاء أو الاختيار يطلبون «رشوة» للجنة التحكيم حتي يتم إعلان الجائزة!! هل ما يريد أن يقوله السيناريست الشاب عمر جمال أننا مجتمع كاذب يعم الفشل كل أفراده؟!.. وأن الأسرة المصرية أصبحت تعيش بلا طموح نحو المستقبل، وكل ما تبتغيه هو حالة من الكذب الاجتماعي الذي يوحي بأنها متماسكة وناجحة؟.. ولا شك أن تجربة عمر جمال المحدودة جعلته يتعامل مع شخصياته ومعالجة الفيلم نفسها بكثير من عدم النضج والطيش فحاول أن يكرر تمرد الشاب الذي رصده في فيلم «أوقات فراغ» في فيلم ثاني رغم اختلاف طبيعة الفيلمين، كما أن الفيلم الاول نجح مخرجه محمد مصطفي في أن يجعل منه حالة تستحق التأمل، أما أكرم فريد هنا فلم يكن له رؤية أوتصور لما يريد أن يصل به مع«عائلة ميكي» وهذه هي أزمة الفيلم الكبري التي افقدته روح الكوميديا بل وروح العمل الفني نفسه وكانت مسألة الاهتمام بوجود صديق الفتاة التي تعرفت عليه عن طريق الإنترنت وصديقة الضابط التي جاءت لتطارحه الغرام تمثل أسوأ أنواع المفارقات الدرامية بل هي ضد فكرة العمل نفسه الذي يأخذ من منزل أسرة مصرية موضوعا لاحداثه، ورغم أن أكرم فريد هنا يحاول أن يكون أكثر جدية، ويعيد تقديم نفسه كمخرج اشتهر بتقديم الافلام الاستهلاكية إلا أنه علي مستوي الحرفة رغم تدني المعالجة في «حاحا وتفاحة» مثلا كان أفضل حرفيا أو في «عمرو سلمي».. ومن المؤكد أن ضعف الانتاج أدي إلي ظهور الفيلم بهذا الضعف.. وعموما فإن الافلام الجميلة أو الناجحة وحدها لاتصنع فيلما. حاولت «لبلبة» ما استطاعت أن تكسب شخصية الام ملامح ومشاعر وصيغة تجعلها متفانية وتحمل كل هموم الاسرة، ولكن السيناريو والحوار لم يمنحاها هذه المقومات.. وفي النهاية يبدو من الصحيح أننا أمام عمل مختلف عن الافلام السائدة سواء في اختيار موضوعاته وممثلينه ومحاولة اقترابه من الواقع، ولكن المشكلة أن السيناريست والمخرج ظلا طوال الوقت يشاهدان شخصيات وواقع المجتمع الذي يقدماه من خلال الجلوس في سيارة علي ناحية الشارع دون أي محاولة للدخول إلي بيت أي أسرة تعاني في تربية وتعليم ابنائها كما تعاني في تعاملها مع المجتمع نفسه في صراع يومي لا ينتهي ليس من أجل أن تصبح أسرة مثالية ولو علي سبيل الرشوة وانما من أن تعيش وتحقق أحلامها المجهضة وتتحايل علي الحياة نفسها من أجل البقاء.. وهو المعني الذي لم يصل إلي السيناريست أو إلي المخرج أو إلي «عائلة ميكي» نفسها (!!)